ليلة فلسطينية على مسرح قرطاج: محمد عساف يُقيم حفلا بصوت الوطن

عندما صعد محمد عساف إلى خشبة المسرح الأثري بقرطاج مساء الأحد 27 جويلية، لم يكن مجرد فنان يحيي حفلا ضمن فعاليات الدورة 59 من مهرجان قرطاج الدولي، بل كان “ابن غزة” الذي يحمل جراح وطنه في صوته.. عشر سنوات مرّت منذ أن وقف عساف آخر مرة على ركح قرطاج، وها هو يعود في لحظة استثنائية، لا تشبه أي لحظة.

 

اختار “عساف” أن تكون عودته إلى الحفلات الغنائية من تونس تحديدًا، ومن مهرجان قرطاج العريق، ليربط الفن بالموقف، وليحوّل الغناء إلى مساحة للوفاء، والتضامن، والمقاومة. لم يكن الحفل احتفاليًا، بل جاء ملتزمًا، محمولًا بهمّ غزة الجريحة، التي تعيش واحدة من أقسى فصول الحرب والدمار.

 

في خطوة إنسانية نبيلة، أعلن محمد عساف تخصيص كامل مداخيل الحفل لفائدة غزة، كما تبرّع بأجره دعمًا لأبناء بلده المحاصرين. لم تكن هذه مجرد لفتة رمزية، بل إعلان واضح بأن صوته، كما مواقفه، لا ينفصلان عن شعبه وأرضه.

 

على امتداد ساعتين، قدّم عساف باقة من الأغاني الوطنية التي لامست وجدان الحاضرين، وغنّى من إنتاجه الخاص ومن ذاكرة الفن الملتزم العربي. افتتح الحفل بأغنية “يا عروبة اتجددي”، وختمه بالأغنية ذاتها، كأنما أراد أن يدوّر المعنى، ويختتم الليلة كما بدأها: بنداء للوحدة والكرامة.

 

الجمهور التونسي، الذي توافد بكثافة على مدرجات المسرح الأثري، تفاعل بحرارة مع الأغاني التي أدّاها عساف، ومنها: “دمي فلسطيني”، “علّي الكوفية”، “سلام لغزة”، و”فلسطين انتِ الروح”، إلى جانب “يا طير الطاير”، و”موطني” للشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، و”منتصب القامة أمشي” من روائع مرسيل خليفة. لم تكن الأغاني مجرد أداء، بل شهادات صوتية تختزل وجع وطن ورجاء شعب.

 

وفي مشهد مؤثر، زُيّنت مدرجات قرطاج بالأعلام الفلسطينية التي رفعها الحاضرون، فاختلطت الألوان بالهتاف، والدمع بالنشيد، ليغدو المكان بأكمله منصّة تضامن مع فلسطين، وغزة تحديدًا، التي ما زالت تقاوم الموت بالحياة.

 

توجّه عساف بكلمة مؤثرة إلى الجمهور التونسي قال فيها: “في هذا الظرف الذي يمرّ به عالمنا العربي، وبالتحديد فلسطين الغالية الحبيبة، نحن اليوم حاضرين في تونس الخضراء الحبيبة العظيمة… تونس التي قال فيها شاعرنا الكبير الراحل محمود درويش: هل نُشفى من حب تونس؟ وأنا أقول: ما أظن أشفى من حب تونس. تونس التي طالما احتضنت فلسطين وقضيتها في كل المواقف وفي كل المحافل… كل المحبة لكم يا شعبنا في تونس… تحية إلى فلسطين، إلى أم البدايات وأم النهايات، إلى غزة العزّة العظيمة.”

 

هكذا كان محمد عساف في قرطاج: فنانًا لا ينفصل عن وطنه، وصوتًا لا يخون القضية. غنّى بصدق، فغنّت معه القلوب. لم يكن الحفل مجرد لحظة فنية، بل محطة وجدانية تعبر منها الذاكرة، ويتجدّد فيها الإيمان بأن فلسطين، ما دامت تُغنّى، لن تُنسى.

 

ريم حمزة

Related posts

فعاليات ثقافية بمناسبة الذكرى 14 للثورة التونسية

التونسيان مروان الميساوي وهيثم المومني يفوزان بالجائزة الذهبية لأفضل أداء تمثيلي في مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي بالأردن

قبل الأولى

النقابة المستقلة للمخرجين المنتجين تدعو إلى التمسك بتنظيم أيام قرطاج السينمائية في موعدها