القاهرة: ريم حمزة
يعود الممثل والمخرج محمد علي النهدي إلى مهرجان القاهرة السينمائي بفيلمه الجديد “الجولة 13″، ليقدّم تجربة سينمائية مؤثرة تغوص في أعماق الصراع الإنساني والمعاناة، ليس فقط من خلال دوافع شخصياته، بل أيضًا عبر مشاعر الجمهور الذين شهدوا العرض العربي الأول للفيلم ضمن فعاليات الدورة الـ46 للمهرجان.
هذا الفيلم لا يكتفي بسرد قصة مأساوية عن طفل مريض بالسرطان، بل يعكس ببراعة الصراع الداخلي لكل شخصية، ويعيد صياغة معنى الانتصار والهزيمة في سياق إنساني عميق.
في قلب الفيلم طفل يُدعى صبري، الذي يجسده الممثل الصغير هادي بن جبورية، ذو الإثني عشر عامًا، والذي ورث من والده الملاكم المتقاعد حب الرياضة وروح التحدي. من خلاله، يرسم النهدي رحلة صراع مضاعفة: صراع الطفل مع جسده النحيل الذي يخونه أمام المرض، وصراع الأب مع عجزه أمام معاناة طفله. هنا، تصبح لعبة الملاكمة رمزًا مركزيًا في الفيلم، تعكس القوة والألم، الانتصار والهزيمة، حتى في الأحلام التي يعيشها صبري داخل حلبة خيالية، حيث يوجه لكمة تلو الأخرى في مواجهة المرض المستبد.
العنوان نفسه يحمل رمزية عميقة؛ ففي حين تتكون مباريات الملاكمة التقليدية عادة من 12 جولة، اختار المخرج رقم 13 ليعكس فكرة تجاوز الحدود الطبيعية للصراع، ومقاومة الإنسان حتى آخر رمق. هذه الفكرة تتجسد في مشهد حالم يصور وجه صبري ملطخًا بالدماء، يتلقى الضربات يمينًا ويسارًا، كرمز بصري لقوة الإرادة التي تواجه أقسى الظروف.
ما يميز الفيلم أيضًا هو الأداء التمثيلي الفائق الصدق؛ حيث اعتمد الأبطال على ما يعرف بـ«الذاكرة الانفعالية» وفق منهج ستانسلافسكي، الذي يستحضر من خلاله الممثل مشاعر شخصية عاشها هو أو أحد المقربين منه، ليجعل الأداء ينبع من دوافع داخلية حقيقية بدل الانفعالات المستهلكة. هذا ما يمنح الفيلم عمقًا إضافيًا ويجعل المشاهد يعيش الصراع كما لو كان حاضرًا في اللحظة نفسها.
على المستوى البصري، يحرص النهدي على توظيف الرمزية في الكادرات؛ مثل تكرار مشاهد الفجر التي تعكس أمل الأسرة في كل صباح جديد، رغم مرض صبري، وتجسيد التناقض بين الألم والأمل، بين الهزيمة والانتصار، وبين واقع المعاناة والحلم بالحياة.
ما يمكن قوله هو أنّ فيلم “الجولة 13” يضيف بعدًا جديدًا للأعمال السينمائية التي تتناول مرض الأطفال، ليس فقط من حيث المضمون، بل أيضًا من خلال إحساسه الدقيق بالمعاناة الإنسانية، والبناء الدرامي المتوازن، والأداء التمثيلي الصادق، ما يجعله نموذجًا حيًا على قدرة السينما العربية على تقديم قصص مؤثرة ومعبرة تصل إلى قلب المشاهد مباشرة.
