بين تونس وصندوق النقد اي خيارات في البرنامج الجديد؟ - avant-premiere

بين تونس وصندوق النقد اي خيارات في البرنامج الجديد؟

عادت المفاوضات بين الحكومة و صندوق النقد الدولي إلى الصفر، لتنطلق في صيغة جديدة حول برنامج جديد، بات يثير التساؤلات حول المضامين التي من الممكن أن يتضمنها، بعد أن اصطدم البرنامج السابق المقترح  بالعديد من الانتقادات.

و خلال كل المحطات التي توافقت فيها تونس مع صندوق النقد الدولي حول برامج اصلاحات، كانت تلك البرامج تواجه بانتقادات داخلية على اساس انها املاءات و شروط لمزيد الهيمنة و الاخضاع، و ينظر اليها ايضا انها شروط كانت توضع لارضاء الاطراف الخارجية و التسويق الى صورة معينه بشأنها، حيث لم تكن اصلاحات في العمق.

برنامج جديد

وقد توّصلت الحكومة مع وفد من خبراء صندوق النقد الدولي إلى اتفاق مبدئي في أكتوبر من العام الماضي، كان من المرتقب أن يحال على مجلس إدارة الصندوق في شهر ديسمبر من نفس السنة، غير أن اعتراض رئيس الجمهورية على مضامينه و الاصلاحات المقترحة فيه أوقف ذلك المسار، على أمل استئنافه بشروط جديدة.

و أكّد رئيس الجمهورية قيس سعيد في مناسبات متعددة، أنّ من غير المقبول التماهي مع اصلاحات يتم املائها و تنتهي إلى تقويض السلك الاهلية في البلاد، مضيفا أنه في المقابل يمكن التفكير  في منهجيات اخرى للاصلاح على غرار فرض ضريبة على اصحاب الثروات الطائلة توظف لمداخيل صندوق الدعم بدل التخلي عنه بشكل تدريجي، ذلك أنه من المهم المحافظة على الدور الاجتماعي للدولة.

وبعد فترة من الترقب حول مصير القرض المرتقب من صندوق النقد الدولي و الذي حققت المفاوضات بشأنه رقما قياسيا في طول مسارها، نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول حكومي تونسي لم تكشف هويته، أكّد أن الحكومة تستعد الى تقديم برنامج جديد للاصلاحات التي تنوي تنفيذها الى صندوق النقد الدولي في القريب العاجل.

وقد أكّد محافظ البنك المركزي مروان العباسي تلك التصريحات، حيث أكّد مؤخرا ان تونس و صندوق النقد الدولي يعملان على برنامج اصلاح اقتصادي “عادل” يأخذ في عين الاعتبار الفئات الضعيفة و الهشة، و قد ورد تصريح العباسي بعد يوم من لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد بمديرة صندوق النقد الدولي كريستينا غورغيفا ، و الذي ذكر خلالها رئيس الدولة بالاحداث الدامية التي اجتاحت تونس عند الترفيع في ثمن الخبز في الثمانينات، معتبرا أنه لا يمكن تنفيذ اصلاحات اقتصادية تعود بالوبال على المجتمع التونسي وتقوض السلم الاهلية.

والاصلاحات التي كان من المفترض تطبيقها في تونس، حسب ما تسرّب بخصوصها من تسريبات كانت تهم الرفع التدريجي في دعم المواد الاساسية و الرفع الكلي لدعم المحروقات علاوة على اجراءات تهدف الى التحكم في كتلة الاجور و في حوكمة المؤسسات و المنشآت العمومية.

خيارات اخرى

و من خلال ما سبق يبدو ان البرنامج الجديد للاصلاحات سيكون مختلفا بشكل جذري  على سابقيه، و ليس من المستبعد ان يتضمن فسلفة تنطوي على حذر  مما يهدد السلم الاهلي والاجتماعي في البلاد، خاصة و أن اجتماعات الربيع للبنك والصندوق الدوليين قد انتهت إلى وجوب اتباع مقاربات اجتماعية موازية مع الاصلاحات التي يتم تنفيذها لعدة اعتبارات، من بينها أن الازمات المتعددة التي ضربت العالم و التي كان منطلقها تفشي الجائحة الصحية المتصلة بكورونا قد زادت في تعقيد الاوضاع الاقتصادية و المالية لسائر البلدان ومنها بشكل خاص بلدان العالم الثالث والأكثر  هشاشة من حيث اوضاعها و بناها الداخلية.

ويؤكد عدد من خبراء الاقتصاد انه من الممكن ان تطلب تونس تأجيل رفع الدعم عن المحروقات أو أن تتخلى كليا عن هذا المقترض، حيث أنّ انخفاض سعر النفط في العالم بعد ان بلغ معدلات قياسية في أوج الحرب الروسية في اوكرانيا قد وفّر عن خزينة الدولة اللجوء الى المزيد من القروض لتوريد المنتجات النفطية باعتمادات مالية أكثر.

ويتعين قبل صياغة البرنامج الجديد فتح جبهة داخلية للحوار والنقاش بين الاطراف الاقتصادية الفاعلة والمنظمات، حتى يكون للبرنامج امتداد داخل اكثر الهياكل الممكنة في الدولة، ومن ثمة يتحقق ضمان تنفيذ عدد من الاجراءات التي توصف بالموجعة و التي لا يمكن تحقيق الاصلاح من دونها.

و تبدو الحاجة ماسة إلى المصارحة بوجوب تحقيق اصلاحات عميقة بمعزل عن اتفاق صندوق النقد الدولي، ذلك ان الازمات الهيكلية التي تشكو منها البنى الاساسية للاقتصاد في تونس تستدعي اجراءات مستعجلة للانقاذ ووضع خطط محددة و استراتجيات، على أمل قطف ثمارها بعد سنوات، متى يتسنى توزيع الثروة بعدل، وهو المطلب الرئيسي لثورة الحرية و الكرامة 2011.

وتفرض المتغيرات الجديدة على تونس تغيير منهجية ومضامين التفاوض مع صندوق النقد الدولي ومختلف المؤسسات المالية المانحة، فبدل الحديث بشأن برامج تتضمن اعلان نوايا غير قابل للتطبيق على ارض الواقع يمكن التعهد باصلاحات قطاعية وأن يكون برنامج تنفيذها قائم على أهداف مرقمة ومحددة في الكلفة والزمن، لتسيير تنفيذها بأقل ما يمكن من توّترات.

في المحصلة، يبدو ان الوقت قد حان الى تجاوز مقولات رفض الاملاءات والتوجه الى عملية تشاركية تحاول الاستفادة قدر الامكان من اليات التمويل الدولية دون التفويت في مقدرات الشعب والدولة ودون السقوط ايضا في الشعارات التي لا تغن و لا تسمن من جوع.

 

Related posts

قريبا: مصنع السكر يستأنف نشاطه

ichrak

البنك التونسي يطلق خدمة رقمية جديدة موجهة الى المؤسسات والشركات

mahmoud

الرائد الرسمي: صدور الامر عدد 769 لسنة 2022 المتعلق بضبط الأجر الأدنى المضمون للمهن غير الفلاحية