تظاهرة الخروج إلى المسرح: مسرحية “شوق” لحاتم دربال .. التفكك الأسري من خلال ثنائية الموت والحياة

يقول مصطفى صادق الرافعي “‏يموت الحيّ شيئا فشيئا،  وحين لا يبقى فيه ما يموت، يقال: مات ” .. الموت هذا الغامض الخفي الذي تصعب حتى الكتابة عنه وتصبح مهيبة ولعل أصعب ما في الموت هو الشوق والحنين فمن منا لم يعش مرارة الفقد أن لا ترى أخا أو حبيبا أو صديقا أو ابنا،   ف”فرويد” مثلا يرى أن الموت نهايةٌ لعلاقات عديدة ارتبط بها الميت، كالكره والحب والمصلحة.. ولطالما حاول الانسان التغلب على فكرة الموت إما خوفا على “الأنا” أو خوفا من فقدان الأحبة والأهل .

“العائلة والموت” موضوعان أساسيان في مسرحية “شوق”، يلتقيان طيلة أحداث المسرحية، يتشابكان، ينسجمان، يتضادان ويتعاضدان، مما يضع الشخصيات في متاهة الفقدان والرهبة والخوف والاعتراف والحلم والشوق.

مسرحية “شوق”، شاهدها جمهور الفن الرابع مساء الجمعة 22 سبتمبر ضمن فعاليات تظاهرة “الخروج الى المسرح” وهي من  إنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بن عروس دراماتورجيا وإخراج حاتم دربال، كتابة جماعية عن نص لحمدي حمايدي،  بطولة كل من آمال الفرجي ونادرة التومي ومريم بن حسن وعبد المنعم شويات وحمادي البجاوي، سينوغرافيا وتصميم فيديو سيرجيو قازو .

ترانيم جنائزية .. اضاءة قاتمة .. ركح محدد بشريط أبيض يرمز الى المنزل .. شاشة تلفاز وأربعة شخصيات ، أخ وأخت وأم وزوجة يجتمعون للقاء الابن الأكبر بعد غياب طويل، يوسف الذي أخذه الشوق والحنين للقاء عائلته وإعلامهم بمرضه وقرب موعد موته.. تستقبل العائلة يوسف ويحتفلون بعودته لكن سرعان ما تطفو على سطح الذاكرة خلافات الماضي التي لم يقع حلّها ظنا أنها ولت وانتهت.

لوم وعتاب وحنين واشتياق وصراع يكشف عن هشاشة الشخصيات.. الأخ  لمين العائل الوحيد لعائلته هذه الشخصية المهتزة والمتناقضة وحادة الطباع التي ترفض الاعتراف بالحب وتتصنع القوة رغم هشاشتها .. زينب الزوجة المنافقة التي تسعى الى كسب ودّ الجميع وتدعي الطيبة رغم خبثها، الأم التي أرهقتها السنوات وفقدان السند والزوج، والأخت “ددو” أو نادرة الفتاة التي تبحث عن التحرّر من قيود العائلة والمجتمع ، ويوسف الكاتب والروائي والمسرحي الذي ينبش في صندوق ذكرياته هربا من الموت، شخصيات تلتقي تحت سقف واحد لتعبر عن عمق ألمها ووحدتها وعزلتها وصمتها طيلة السنوات التي مضت.

اللقاء الأخير الذي يجمع يوسف مع عائلته يحملنا الى عديد المفاهيم المتناقضة منها اللقاء والفراق .. الموت والحياة والقرب والبعد، لقاء يبرز مدى التفكك الأسري من خلال مشهدية تتشابك فيها الحياة بالموت.

في ” شوق” يتماهى أداء الممثلين مع الفيديوهات المعروضة على جهاز التلفاز، وكأن المشاهد أمام مسرحية داخل مسرحية، ومن خلال هذا التداخل يبرز مخرج العمل، أهمية هذا الجهاز داخل كل عائلة والدور الذي يلعبه فيها، ومع تصاعد الأحداث يتطور دور هذا الجهاز في السياق الدراماتورجي حيث يبث صورا من الماضي ويكشف مكنون الشخصيات أو ما يحاولون اخفائه .

تنهمر الذكريات وتتوه الشخصيات بين ماضيها وحاضرها، تشتد الصراعات وتحتدم، لتواجه كل شخصية الآخر والأنا وتقف وجها لوجه مع ذواتها في محاولة لكسر حواجز الخوف والصمت وربما ترميم الانكسارات .

تنتهي المسرحية بعود على بدء، حيث تلتقي العائلة في القطار بعد أن تقبلوا فكرة رحيل يوسف ولعله قطار الحياة الذي يمضي دون توقف لكل منا محطة بداية فيه، لكن لا أحد يعرف متى موعد محطة النهاية.

Related posts

درّة زروق: تحية احترام وتقدير للعاملة والفلاحة والمعلمة والطالبة والطبيبة ولربات البيوت

root

لطيفة العرفاوي تدعو قيس سعيد إلى ”إصلاح الشأن الثقافي في تونس ”

Rim Hamza

“ليالي المتاحف” و”مسامرات تراثية” و”ليالي رمضان الرقمية” في البرمجة الرمضانية لوزارة الشؤون الثقافية