“زريعة إبليس”: صراع بين الموروث والعقل.. وفيلم يلامس المسكوت عنه

شهد مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة مساء الجمعة 18 أفريل الحالي، عرضًا خاصًا للفيلم التونسي الجديد “زريعة إبليس”، من تأليف وإخراج محمد خليل البحري وإنتاج مجدي الحسيني، وذلك وسط حضور لافت لجمهور الفن السابع وعشاق السينما.

الفيلم، الذي يُصنّف ضمن أعمال الرعب النفسي، يُثير الجدل بطرحه قضية من المسكوت عنها في المجتمع التونسي، مستلهمًا أحداثه من قصة حقيقية متجذّرة في الموروث الشعبي.

 

بين التصفيح والرعب… حدود غير مرئية

يستند “زريعة إبليس” إلى ظاهرة “التصفيح” أو ما يُعرف بالتحصين، وهي ممارسة سحرية تهدف -بحسب المعتقدات- إلى حماية الفتاة من العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج. غير أن الفيلم لا يكتفي بعرض الطقس في صورته التراثية، بل يحوّله إلى نقطة انطلاق نحو حالة نفسية شديدة التوتر، حيث تتداخل الطقوس الدينية بالممارسات السحرية، وينفتح باب الرعب على مصراعيه.

في قلب الحكاية، تؤدي رشا بن معاوية دور “بيّة”، فتاة تعيش تجربة معقّدة تجمع بين الاضطراب النفسي والاحتماء بالخرافة. فهل هي حالة تلبّس أم مجرد وهم؟ هذا السؤال المركزي يدفع المشاهد إلى التفكير في هشاشة الخط الفاصل بين الإيمان والخرافة، وبين العلاج النفسي والممارسات الخارقة.

 

أداء تمثيلي رفيع يعكس تعقيد الشخصيات

شارك في الفيلم نخبة من الممثلين، من بينهم محمد قلصي، وحيدة الدريدي، أحلام الفقيه، حكيم بالكحلة، ووسيم بكوش، بالإضافة إلى أسماء لامعة مثل منى نور الدين وسلوى محمد وفتحي المسلماني، حيث جاء الأداء جماعيًا متماسكًا ساهم في تعزيز الإيقاع النفسي المكثّف للفيلم.

 

سينما تتكلم لغة الصمت والتوتر

تميّز “زريعة إبليس” بلغة بصرية مدروسة، اعتمدت على حركة كاميرا قريبة من الشخصيات، مع توظيف دقيق للألوان الباردة مثل الأزرق والبنفسجي، ما يعكس الجو النفسي الخانق. لم يعتمد المخرج على الرعب التقليدي المليء بالصراخ والمفاجآت، بل راهن على الإيحاءات، التوتر الصامت، والمشاهد المركبة التي تُربك المتفرج وتشده في آن واحد.

 

العنوان ليس مجرد تسمية

العنوان وحده يحمل دلالة قوية؛ فـ”زريعة إبليس” في اللهجة التونسية تُطلق على مثيري الفتنة والشر، وهنا تتحول ممارسة التصفيح إلى مصدر الهلاك بدل الحماية، وتتحول الطقوس القديمة إلى أداة قمعية تصيب الفرد والمجتمع بالصمت والخوف.

 

قراءة مختلفة لقضية شائكة

بعيدًا عن الوعظ أو الاتهام، يقدّم الفيلم قراءة ذكية لواقع مسكوت عنه، ويضع المجتمع أمام مرآة عاداته القديمة. فـ”زريعة إبليس” ليس فيلم رعب فقط، بل هو عمل فني يطرح تساؤلات عن الجسد، الهوية، الدين، والعلاج، ويعري التناقضات التي يعيشها الكثيرون في صمت.

 

بهذا الفيلم، يخطو محمد خليل البحري خطوة جديدة في مسار السينما التونسية الجريئة، ويبرهن أن الرعب يمكن أن يكون أداة تحليل اجتماعي، لا مجرد وسيلة لإخافة الجمهور. “زريعة إبليس” هو دعوة للتفكير أكثر من كونه مجرد متعة بصرية، وهو بلا شك عمل سيترك بصمته في الساحة السينمائية التونسية والعربية.

 

 

Related posts

ترشيح فيلم “الما بين” لتمثيل تونس في الأوسكار

فيلم “وحلة” لنادر الرحموني في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية

Rim Hamza

مهرجان البحر الأبيض المتوسط للمسرح: جمهور المنستير على موعد مع عروض مسرحية تونسية وأجنبية