خالد العتيق في معرض تونس الدولي للكتاب: حين يصبح الاستثمار في مهن الكتاب مدخلاً للتنمية

في ظل التحولات المتسارعة التي تعيشها الصناعات الثقافية عالميًا، وتحت ضغط الرقمنة والعولمة، بات من الضروري اليوم مساءلة منظومة مهن الكتاب، لا فقط على مستوى الإبداع والإنتاج، بل في عمقها البنيوي كصناعة تحمل إمكانات اقتصادية حقيقية.

هذا السؤال كان محور ندوة انتظمت  يوم السبت 3 ماي 2025، ضمن فعاليات الدورة 39 لمعرض تونس الدولي للكتاب، بجناح وزارة الشؤون الثقافية، تحت عنوان: “التحولات التي يعيشها قطاع مهن الكتاب في ظل الرقمنة والعولمة الثقافية”.

 

وجمعت الندوة ثلة من الفاعلين في مجال النشر والتوزيع والتوثيق من تونس والمملكة العربية السعودية، من بينهم الناشر أحمد الكرم، ولمياء البنوني، مديرة وحدة الإحاطة بالمستثمرين بوزارة الشؤون الثقافية، والناشر التيجاني زايد، ودرة ويدر، إلى جانب ضيف خاص ومتميّز من السعودية، هو الخبير في الاقتصاد الثقافي والنشر خالد العتيق، الذي كانت له مداخلة محورية أدارها الكاتب وليد الفرشيشي.

وإن تعدّدت المساهمات في هذه الندوة، فإنّ المداخلة التي حرّكت الأسئلة وأعادت ترتيب الأولويات كانت بلا شك مداخلة خالد العتيق. بكثير من الحزم والوضوح، قدّم العتيق قراءة معمقة لوضعية مهن الكتاب في سياق الاقتصاد الإبداعي، مستندًا إلى أحدث ما ورد في تقرير اليونسكو العالمي للسياسات الثقافية لسنة 2023، ليقترح من خلالها خارطة طريق تتجاوز الحلول الظرفية نحو بناء نموذج تنموي يرتكز على الثقافة كمحرّك اقتصادي فعّال.

 

مهن الكتاب: من الهامش إلى قلب التنمية

استهل العتيق مداخلته بتفكيك النظرة التقليدية إلى مهن الكتاب، مؤكدًا أن هذه الصناعات لم تعد ترفًا ثقافيًا أو نشاطًا هامشيًا، بل أضحت ركيزة من ركائز الاقتصاد العالمي. وأشار إلى أرقام لافتة من تقرير اليونسكو: الصناعات الثقافية والإبداعية تساهم اليوم بنسبة 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتوفّر 6.2% من مجموع الوظائف، وهي أرقام تُظهر حجم الإمكانات الكامنة التي لا تزال غير مستغلة بالكامل، خصوصًا في بلدان الجنوب.

وفي هذا السياق، دعا العتيق إلى إعادة تشكيل السياسات الثقافية بما ينسجم مع الرؤية التنموية الجديدة، ويضمن بيئة حاضنة للمبدعين والفاعلين في القطاع، لافتًا إلى أن التغيير لن يكون فعّالًا دون إرادة سياسية واضحة واستثمارات مستدامة.

التحديات… وفرص العبور

لم يغفل العتيق التحديات الجسيمة التي يواجهها قطاع النشر في العالم العربي، وعلى رأسها هشاشة البنية التحتية، وندرة الاستثمار، وغياب التشريعات المواكبة للتحولات الرقمية. إلا أنه، في مقابل هذا الواقع، نبّه إلى الفرص التي تفتحها الثورة الرقمية، شرط أن تُواكبها سياسات ذكية تراعي خصوصيات السياق وتستفيد من التجارب الدولية.

الوكيل الأدبي: الحلقة الغائبة

من بين المحاور اللافتة في مداخلة العتيق، تركيزه على دور الوكيل الأدبي، باعتباره الوسيط الذكي بين المؤلف ودار النشر والسوق. رأى العتيق أن غياب هذه الحلقة في أغلب الدول العربية حرم العديد من الكتّاب من الوصول إلى جمهور أوسع، وحرم القطاع نفسه من ديناميكية احترافية يمكن أن تسهم في رفع الجودة وخلق فرص استثمار حقيقية. فالوكلاء لا يساهمون فقط في تسويق النصوص، بل في تطوير المحتوى، والتفاوض على الحقوق، وبناء شبكات توزيع دولية.

 

نحو خارطة طريق عربية

لم تكن مداخلة العتيق استعراضًا نظريًا، بل مقترحًا عمليًا بدأه بدعوة واضحة إلى وضع خارطة طريق عربية لتطوير قطاع مهن الكتاب، تضمنت محاور أربعة:

إصلاح السياسات الثقافية بشكل يجعلها أكثر دعمًا للمبدعين.. وتعزيز البنية التحتية الرقمية بما يضمن وصولًا واسعًا وميسرًا للمنتج الثقافي. إضافة إلى تشجيع الاستثمار في الصناعات الإبداعية، بما في ذلك دعم المشاريع الناشئة في النشر الرقمي… وأخيرا توفير حماية اجتماعية وقانونية للعاملين في المجال، بما يضمن كرامتهم واستقرارهم المهني.

 

ما بعد الندوة… أسئلة مفتوحة

اختُتمت الجلسة وسط نقاشات حيوية، لكن بدا جليًا أن المداخلة السعودية قد فتحت أفقًا جديدًا للتفكير في واقع الكتاب، ليس فقط بوصفه منتجًا ثقافيًا، بل كمورد اقتصادي ينبغي دعمه وتمكينه. لعل الرسالة الأقوى التي حملها العتيق كانت أن الثقافة ليست عبئًا على الاقتصاد، بل هي أحد أعمدته حين تُدار وفق منطق استراتيجي يستوعب التحولات ويُراهن على رأس المال البشري والإبداعي.

 

و يُعد خالد العتيق أحد أبرز الخبراء في مجال النشر والتوزيع بالمنطقة العربية، ومن الأصوات البارزة في الاقتصاد الثقافي. راكم خبرة تزيد عن عشرين عامًا في إدارة الأعمال والتواصل المؤسسي وتكنولوجيا المعلومات، حيث ساهم في تأسيس عدد من دور النشر وإدارة قطاعات إعلامية وثقافية ضمن جهات وطنية وخاصة. يتميز العتيق بفهم معمّق لعلاقات السوق الثقافي، ولعب دورًا محوريًا في تدريب العديد من الفاعلين في المجال والمشاركة في ورش عمل محلية ودولية، كما راكم خبرة عملية في استراتيجيات إدارة العمليات وتطوير الأعمال ونمو الإيرادات، إلى جانب تخصصه في إدارة الأزمات وبناء المراكز الإعلامية. يجمع العتيق بين الرؤية الاقتصادية والتجربة الميدانية، مما يجعله من الأسماء الوازنة في رسم خارطة الطريق لمستقبل الصناعات الثقافية في العالم العربي.

Related posts

لبلبة تكشف تفاصيل رحلتها الفنية خلال جلسة حوارية بمهرجان القاهرة السينمائي

ريم حمزة

أجندا المهرجانات الصيفية ليوم الأحد 25 أوت 2024

جائزة “قناع عنخ آمون الذهبي”:  “قربان” يفوز بأفضل فيلم روائي طويل في مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية

root