شاركت المخرجة التونسية أريج السحيري في الدورة 78 من مهرجان “كان” السينمائي الدولي بفيلمها الروائي الجديد “سماء بلا أرض”، ضمن قسم “نظرة ما”، مقدّمة تجربة فنية وإنسانية تنطلق من تونس، لكنها تعانق قضايا الهجرة في بعدها الكوني.
الفكرة، كما روتها السحيري في تصريحات صحفية، وُلدت من لقاء عابر مع مجموعة من النساء في تونس، بينهن صحفية جنوب إفريقية تعمل قسيسة. تقول السحيري: “حدثتني عن دور كنيستها في دعم المهاجرين… كانت لحظة إنسانية مؤثرة، ومنها بدأت أكتب قصتي. لقد كانت شرارة الإلهام”.
ورغم أنّ خلفية الفيلم تنطلق من الواقع التونسي، فإن المخرجة شددت على أن القصة تتجاوز الحدود، لأنها “تعالج قضية إنسانية عالمية”. وأضافت: “اعتدنا في العالم العربي أن نرى المهاجرين كعابري سبيل نحو أوروبا، لكن الفيلم يطرح سؤالًا مختلفًا: ماذا عن الذين يقررون البقاء هنا؟ ماذا عن الذين يبنون حياة جديدة في بلاد عبورهم؟”.
في “سماء بلا أرض”، لا تظهر النساء كمجرد ضحايا للهجرة القسرية، بل كفاعلات، يحملن قصصًا وصوتًا ورؤية. واختارت السحيري أن تستعين بمهاجرات حقيقيات لتجسيد هذه الشخصيات، مؤكدة: “إحدى بطلات الفيلم لم تكن ممثلة، بل كانت تستعد للهجرة بطريقة غير نظامية. احتجت عامًا لإقناعها بخوض التجربة، واليوم أصبحت ممثلة حقيقية”.
وعن شخصية القسيسة، التي كانت مصدر الإلهام الأول، كشفت السحيري أن من جسّدها هي ممثلة فرنسية أدّت دور امرأة جنوب إفريقية مقيمة في تونس، مشيرة إلى أن التمازج الثقافي داخل الفيلم يعكس روح تونس ومرآة السينما كما تراها.
أما من ناحية التحديات، فقد وصفت السحيري تجربتها في فيلمها الروائي الثاني – بعد “تحت الشجرة” – بأنها “صعبة ومكثفة”، مضيفة: “الواقع الذي صورناه كان حيًا ومؤلمًا، اقتربنا من جراح لم تُفتح بعد”. وأردفت: “الفيلم حملني إلى مناطق حساسة… فنية ووجودية”.
واختتمت حديثها بإشارة رمزية إلى الطفلة في الفيلم، التي تجسد أسئلة وجودية قاسية: “ماذا سيكون مصير طفل يُمنع من الهجرة؟ أو يُفقد في الصحراء؟ ومن يتحمل مسؤولية مصيره؟”.