“رڨوج – العرض” يفتتح مهرجان الحمامات الدولي برؤية فنية جريئة

انطلقت مساء الخميس 11 جويلية الحالي،  فعاليات الدورة الـ59 لمهرجان الحمامات الدولي، وسط حضور جماهيري غفير ملأ مدارج المسرح، في افتتاح استثنائي قدّمه العرض المسرحي البصري “رڨوج – العرض”، المستوحى من المسلسل الشهير “رڨوج”.

في تجربة فنية جمعت بين المسرح والموسيقى والرقص والفيديو، قدّم المخرج عبد الحميد بوشناق عملا دراميا معاصرا تخطّى القوالب التقليدية، ليحوّل الخيال التلفزيوني إلى مشهد حي نابض على الخشبة. واستعان فريق العمل، الذي ضم أكثر من 120 عنصرا بين فنانين وتقنيين، بتقنيات متعددة لابتكار تجربة سمعية وبصرية تلامس الوجدان وتحاكي المخيلة الجماعية للجمهور.

اللقاء مع شخصيات “رڨوج” لم يكن هذه المرة عبر الشاشة الصغيرة، بل على المسرح، في عرض امتد لنحو ساعتين ونصف، ونجح في إعادة تجسيد عالم المسلسل بمكوناته الرمزية والوجدانية، حيث تفاعل الحاضرون بحماسة مع كل لحظة، ضاحكين، مصفقين، ومتأثرين بالمشاهد الإنسانية.

و ساهمت موسيقى حمزة بوشناق، المصممة بعناية لتواكب إيقاع البلدة المتخيّلة، في ضخ الحياة داخل كل مشهد، بينما أضفت كوريغرافيا أميمة المناعي بعدا جسديا حركيا عميقا للعرض، مع توجيه دقيق للفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو راسم دمق. والنتيجة كانت مزيجا متقنا من الأداء التمثيلي والرقص والموسيقى والضوء، يشكّل تجربة حية تثير الفكر والحواس في آن واحد.

من اللحظات الأكثر تأثيرا في العرض، التحية المؤثرة التي خُصّصت لنساء الريف العاملات، إضافة إلى وقفة صامتة إكراما لضحايا حوادث الطرقات، وتكريما لعدد من الفنانين الراحلين، على رأسهم فتحي الهداوي والمغني أحمد العبيدي (كافون)، الذي حضر بصوته وصورته عبر شاشات ضخمة في خلفية العرض، ما أضفى بُعدا وجدانيا إضافيا على التجربة.

 

لم يقتصر العرض على نقل مشاهد من المسلسل إلى المسرح، بل قدّم مقاربة فنية جديدة قائمة على الدمج بين عناصر الصورة الحية والدراما والمسرح المعاصر، لتوليد تجربة تفاعلية تفتح المجال للتأويل الشخصي والانخراط العاطفي.

وفي ندوة صحفية تلت العرض، وصف المخرج عبد الحميد بوشناق المشروع بأنه “تحدٍّ فني وإنساني”، موضحًا أن تحويل 46 حلقة من المسلسل إلى عمل حي واحد تطلّب “توازنًا دقيقًا بين النص والموسيقى والصورة”، معتبراً أن الهدف كان كسر الحاجز التقليدي بين الجمهور والممثل.

وأشار إلى أن استخدام الشاشات داخل العرض لم يكن تقنية فحسب، بل وسيلة فلسفية تربط بين عالَمَيْ التلفزيون والمسرح، وتدفع المتفرج إلى مساءلة علاقته بالفن.

 

المؤلف الموسيقي حمزة بوشناق عبّر عن رضاه الكبير عن النتيجة، مؤكدًا أن التحدي الأكبر كان “نقل الإحساس لا مجرد الألحان”، وأن الهدف كان خلق حالة من التفاعل الانفعالي بين الجمهور والعرض.

أما مصممة الكوريغرافيا أميمة المناعي، فرأت في العمل تجربة فنية فريدة تجمع بين الحركة والمضمون الاجتماعي، مشيرة إلى أن تصميم الرقصات انطلق من تجارب إنسانية حقيقية، عكست واقعًا ممزوجًا بالفانتازيا.

وبدوره، أعرب المايسترو راسم دمق عن امتنانه لمشاركته في المشروع، واصفًا التجربة بـ”الاستثنائية” في مسيرته المهنية.

هكذا افتُتحت الدورة 59 من مهرجان الحمامات الدولي بعرض ترك بصمة قوية في الذاكرة الجماعية، مؤكّدا على قدرة المسرح المعاصر على الابتكار، وملامسة القضايا الإنسانية والاجتماعية بلغة بصرية عميقة.

“رڨوج – العرض” لم يكن مجرد فرجة، بل تجربة وجودية وفنية، أعادت تعريف العلاقة بين المتلقي والفن، وأعطت انطلاقة نوعية لدورة يبدو أنها ستكون من بين الأبرز في تاريخ المهرجان.

ريم حمزة

Related posts

“صوفيات” من 12 إلى 15 أفريل في قصر النجمة الزهراء

root

ستينية الفرقة الوطنية للفنون الشعبية: لوحات فنية راقصة تحاكي الأصالة والهوية بتصور متجدد

ريم حمزة

انطلاق فعاليات الدورة السابعة لتظاهرة “جو تونس”