بين “البوب” و”الإنشاد الصوفي”: “سوداني” و”جذب” يأخذان جمهور الحمامات في رحلة موسيقية استثنائية

في سهرة موسيقية جمعت بين الحداثة والروحانية، شهد ركح مهرجان الحمامات الدولي، مساء الخميس 17 جويلية، لقاءً فنياً فريداً بين الفنانة التونسية الصاعدة “سوداني” والثنائي الموسيقي “جذب” من خلال عرضيهما المتناقضين شكلاً، والمتكاملين مضموناً.

 

ضمن فعاليات الدورة 59 للمهرجان، افتتحت سوداني السهرة بأداء نابض بالحيوية مزجت فيه بين البوب والديسكو والفانك، مصحوبًا بإيقاعات تونسية محلية، في توليفة فنية تعبّر عن هوية موسيقية معاصرة مشبعة بطاقة أنثوية جريئة.

 

أثبتت سوداني منذ إطلاق أولى أغانيها “ماذا بيا؟” سنة 2021، أنها تحمل مشروعًا موسيقيًا مختلفًا، يتغذى من الشعر والسينما والواقع اليومي، ويعيد تشكيل الأغنية التونسية برؤية حداثية. وقد قدمت في هذه السهرة مقطعًا من عمل جديد ضمن ألبومها الأول المنتظر صدوره مع نهاية العام الحالي.

 

وعبّرت الفنانة خلال السهرة عن امتنانها للوقوف على ركح الحمامات قائلة: “هذا المسرح حلم لكل فنان تونسي، وأن أكون هنا اليوم هو أمر يعني لي الكثير”. وأضافت أن طموحها يتمثل في تقديم “أغنية تونسية عالمية” تعبّر عن تعددية هويتها الموسيقية.

 

ومع نهاية الجزء الأول، خيّم الصمت وتهيّأ الجمهور لرحلة موسيقية من طراز مختلف، حيث اعتلى الثنائي “جذب”، المتكوّن من مريم حمروني ومحمد برصاوي، الركح لتقديم عرضه الروحي “وليا”، الذي استلهم عنوانه من مصطلح شعبي تونسي يشير إلى الأولياء الصالحين.

 

وقدّمت مريم أداءً غنائيًا صوفيًا حمل نفَسًا روحانيًا عميقًا، مزجت فيه بين المدائح المغاربية والترانيم، بأغانٍ مثل “نادوا لباباكم يا فقرا” و*”يا شاذلي يا بلحسن”* و*”نمدح الأقطاب”*. وختمت العرض بترنيمة “نكبة”، التي حمَلت بين نغماتها صدى الوجع الفلسطيني في ظل الاحتلال والصمت الدولي.

 

على الجانب الآخر، اشتغل برصاوي على الخلفيات الموسيقية الإلكترونية بعناية، ليخلق أجواءً يتمازج فيها البعد الروحي مع التقنيات الحديثة، فبدت التجربة أقرب إلى جلسة تطهير جماعية للروح.

 

وأكد الثنائي أن فلسفة مشروعهما تقوم على إعادة تخيّل التراث لا نسخه، مشددَين على أن “من حق كل فنان أن يعيد تقديم تراثه وفق رؤيته الفنية، فذلك هو السبيل إلى التجديد والاستمرارية”.

 

ورغم اختلاف النمط الموسيقي بين عرضي “سوداني” و”جذب”، إلا أن كليهما يلتقيان في سعيهما نحو بناء هوية موسيقية تونسية معاصرة، متحررة من القوالب التقليدية، ومتصالحة مع جذورها الثقافية. فبينما تسعى سوداني إلى التعبير عن الفرد من خلال موسيقى البوب، يعيد “جذب” إحياء الذاكرة الجماعية عبر بوابة الإنشاد الصوفي.

 

يُذكر أن جمهور الحمامات سيكون الليلة، 18 جويلية، على موعد مع عرض مسرحي بعنوان “كيما اليوم” للمخرجة ليلى طوبال، في إنتاج مشترك بين المسرح الوطني التونسي ومبادرة “الفن مقاومة”. المسرحية، التي تمزج بين الرمزية والواقع، تروي قصة اختفاء غامض لطفلة تُدعى “دنيا” في يوم عيد ميلادها، وتُعدّ تجربة جديدة ضمن مسيرة فنية تجاوزت أربعة عقود لطوبال، تسعى من خلالها إلى تقديم مسرح يحمل قضايا ورسائل إنسانية عميقة.

Related posts

يوم 14 جانفي: العرض الأول لـ” الحضرة العربي” في دار الثقافة ابن رشيق

ريم حمزة

الأعمال المصرية في رمضان 2023: 33 مسلسلا بين الكوميدي والصعيدي والتاريخي

ريم حمزة

البرمجة الرسمية للدورة الـ40 لمهرجان القنطاوي بحمام سوسة