باجة : واقع قطاع عباد الشمس السوداء

مع اقتراب موسم جني عباد الشمس السوداء بالجهة تشير التوقعات إلى تراجع المساحات المبذورة بنحو 50 % وهو ما يؤشر أيضا على تراجع صابة الموسم الحالي.

اشتهرت الجهة على امتداد عقود طويلة بزراعة عباد الشمس أو ما يعرف لدى فلاحي الجهة بـ ” القلوب السوداء ” أو ” الطايعة ” باللهجة العامية وهي تمثل نشاطا فلاحيا موسميا هاما بالإضافة إلى زراعة الحبوب والبقوليات كما أنها تعتبر فرصة للفلاحين للقيام بعملية التداول الزراعي التي تمثل أحد أهم وسائل المحافظة على ديمومة خصوبة الأراضي الفلاحية ومصدرا لتحقيق مداخيل إضافية . ورغم ما يعيشه القطاع من صعوبات وإشكاليات منذ 10 سنوات ورغم تراجع نشاط زراعة عباد الشمس وتقلص المساحات من سنة إلى أخرى بسبب التوريد العشوائي لعباد الشمس “البيضاء”  إلا أن هذا النشاط ظل محافظا على أهميته الاقتصادية ودوره الاجتماعي بالجهة اعتباره نشاطا يتم أساسا في إطار مستغلات فلاحية عائلية.

عزوف الفلاحين

تقدر المساحات المبرمجة زراعتها خلال الموسم الفلاحي الحالي من عباد الشمس السوداء بحوالي 5 آلاف هكتار موزعة على 5 معتمديات وهي باجة الشمالية وباجة الجنوبية وعمدون ونفزة وتبرسق وتستحوذ بمعتمدية باجة الشمالية على أغلب المساحات أين تتركز 70 % منها اعتبارا إلى نوعية التربة وخصوبة الأرض ملاءمة المناخ وتواجد أكبر مزارع الحبوب . غير أنه واعتبارا لتفاقم أزمة القطاع وركود الإنتاج لمدة سنتين وصعوبة ترويج المنتوج فقد سجل عزوف كبير من الفلاحين على زراعة عباد الشمس السوداء وتبعا لذلك عرفت المساحات تراجع إلى النصف وينضاف إلى ذلك ما شهدته الجهة من عوامل مناخية صعبة نتيجة نقص الأمطار وما انجر عنها من تأخر في انطلاق موسم البذر ومن المتوقع أن تكون صابة الموسم الحالي عند حدود ما بين 2000 و 2500 طن فقط.

170 ألف يوم عمل

يتم نشاط زراعة عباد الشمس السوداء وفق مستغلات فلاحية عائلية أو عن طريق شراكات فلاحية وتعتبر مدة هذا النشاط الفلاحي قصيرة حيث تمتد على 4 أشهر من السنة (بين أفريل وإلى غاية شهر جويلية ) ويقدر عدد مزارعي عباد الشمس بالجهة بنحو 300 منتج ينتمي أغلبهم إلى صغار الفلاحين ويوفر الهكتار الواحد من عباد الشمس 35 يوم عمل وهو ما يسمح بتشغيل آلاف اليد العاملة من العائلات في الوسط الريفي الذين تتوفر لديهم فرصة تنمية مداخيلهم كما أن له انعكاس مباشر وغير مباشر على حوالي 100 ألف في هذا النشاط إضافة إلى أنه يعتبر محرّكا أساسيا في تنمية الحركة التجارية وتنشيط الأسواق  بالجهة.

توريد عشوائي وخسائر مضاعفة

تعرضت زراعة عباد الشمس السوداء بداية من سنة 2013 إلى مزاحمة قوية من ” القلوب البيضاء ” الموردة والتي زاد عليها الإقبال من قبل المستهلك وأخذت عملية توريدها منحى تصاعديا وغلب عليها في الأخير الطابع العشوائي مما أدى إلى ركود الإنتاج المحلي وتضاعف خسائر الفلاحين الذين اضطروا إلى التفريط في إنتاجهم بأسعار زهيدة ورغم الوقفات الاحتجاجية التي قام بها الفلاحون والذين اعتبروا أن تواصل توريد ” القلوب البيضاء ”  سوف يستنزف رصيد العملة الصعبة المحلية ويضر بمداخيلهم ويعمق ديونهم لدى البنوك ولا فائدة من ورائها باعتبارها تستهدف منتوجا غير أساسي في القطاع الفلاحي على غرار الحبوب والألبان وكان من الأجدى توجيه الدعم للإنتاج المحلي.

غياب مصانع تحويلية للزيوت النباتية 

يخضع الإنتاج من موسم إلى آخر إلى قاعدة العرض والطلب مما يجعل أسعاره غير ثابتة وذلك في غياب أسعار مرجعية لعباد الشمس السوداء على غرار الحبوب والفول المصري حيث يتم توجيه أغلب المنتوج إلى الاستهلاك الطازج (القلوب). وفي ظل افتقاد الجهة لمصانع تحويلية لإنتاج الزيت النباتي كما هو الشأن بالنسبة إلى السلجم الزيتي ( الكولزا ) واعتبارا لما تعيشه بلادنا من أزمة خانقة أدت إلى فقدان مادة الزيت النباتي وارتفاع أسعاره بشكل جنوني فإن الضرورة تقتضي تشجيع الفلاحين وتطوير المساحات والبحث العلمي في مجال إنتاج بذور محلية من عباد الشمس السوداء ذات مردودية عالية وتركيز وحدات صناعية لإنتاج الزيت النباتي وهو ما من شأنه أن يوقف استنزاف رصيدنا من العملة الصعبة الناجمة عن التوريد.

تجربة ناجحة    

مع بداية اكتساح عباد الشمس ذات الثمرة البيضاء للأسواق وتزايد إقبال المستهلك على اقتناءها شرع عدد من الفلاحين بالجهة في  تطوير منظومة إنتاج عباد شمس بيضاء على غرار الموردة منها وقد انطلقت التجربة بزراعة ما يقارب 300 هكتار ثم في مرحلة أولى ولم تتجاوز حدود 300 هكتار وهو ما أعطى أملا جديدا لديهم ويبقى ذلك رهين تطوير البحث العلمي لدى المعهد الوطني للبحوث الزراعية من أجل تحسين وإنتاج بذور محلية جديدة وإقامة أسواق تجارية نموذجية خاصّة بعباد الشمس وفتح باب التصدير أمام المنتجين لتفادي انهيار أسعارها وضمان دخل قار للمزارعين والمحافظة على استمرارية وجود هذا النوع من المزروعات .

 

 

Related posts

الطاغوتي: السيطرة على 15 حريقا 90 بالمائة منها بسبب ممارسات بشرية

Ghada Trabelsi

وزير الشؤون الاجتماعية: تزويد كل المحطات بالبنزين بمختلف المحروقات.

Ghada Trabelsi

منوبة:إيقاف عنصرين تكفيريين صادرة في شأنهما أحكام سجنية