في اختتام تظاهرة “الخروج إلى المسرح”: مسرحية 1411 لمعز القديري.. نحن في حالة اكتئاب دائم .. قلوبنا أم عقولنا ؟

 

تتلخص الحياة في صراعٌ  دائم وأزلي بين القلب والعقل .. بن قلب يريد، وعقل يرفض، وهكذا تمضي حياتنا في هذه الحيرة القاتلة بين هذين الجزأين غير المنفصلين عنا .. يقول البعض  “ضع قليلا من العقل على قلبك حتى يستقيم، وضع قليلا من العاطفة على عقلك حتى يلين”  لكن كم كمية هذا القليل حتى لا نفقد الصواب ولا ندخل في دوامة التخيير قلوبنا أم عقولنا ؟  والثابت أنه بانطلاق الحرب بين قلوبنا وعقولنا سيتأذى القلب ويتعطل العقل ويضطرب الضمير ونصبح جثثا متحركة لينتهي المطاف في أغلب الأحيان بدخولنا في حالة من الاكتئاب الحاد وقد تشعر كما لو أن الحياة لا تستحق العيش، هذا باختصار ما استخلصناه بعد مشاهدة مسرحية “1411” .

” اكتئاب حاد ” هو العنوان الأولي لمسرحية “1411 ” التي واكبها جمهور غفير  مساء الأحد 24 سبتمبر في اختتام تظاهرة “الخروج الى المسرح”  .. “1411” من اخراج معز القديري، انتاج مسرح أوبرا تونس، نص هيثم المومني وماهر مصدق، سينوغرافيا صبري العتروس، بطولة هيثم المومني ومروان ميساوي .

هدوء مخيف .. فراغ .. كراس بيضاء .. صوت قطرات ماء …  “انت عندك صحاب؟” بهذا السؤال تتواجه الشخصيتان المحوريتان في “1411” لينطلق الصراع والتقاتل بينهما، صراع بين العقل والقلب من أجل انقاذ الجسد المريض، تتصاعد الأحداث ويحتد الصراع وتتأزم المواجهة .. يقرر الجسد الانتحار بعد حالة من الاكتئاب الحاد .. فهل ينجح العقل والقلب في انقاذ الجسد؟

ولأن قصة “1411” مستوحاة من مسرحية “ذهان 4:48” للكاتبة المسرحية “سارة كين” فلا عجب أن تكون شخصيات العمل متقلبة المزاج، مكتئبة ومقبلة على الموت، وهنا نشير الى أن سارة كين انتحرت بعد كتابتها المسرحية ببضعة أيام تاركة نصّا جاء فيه :” كانت لديّ القدرة على البكاء أما الآن فقد تجاوزت مرحلة الدموع”، ونص “4:48” كان عبارة عن يوميات “كين” في المستشفى عبرت فيه عما عاشته داخلها والصراع بين عقلها وقلبها، تجربة ذاتية محملة بالأحلام والأمراض والحيرة حوّلها فريق “1411” الى مسرحية اطارها المكاني العقل الباطن حيث ينفصل العقل عن القلب مما يسبب صراعا نفسيا كبيرا ..  شخصيتان تنقلان على مدار المسرحية تقلبات مزاجية حادة بين القوة والضعف .. الحب والكراهية مشاعر متناقضة عبر عنهما العقل والقلب لتتسم الأحداث بطابع سوداوي قاتم. شخصيات تشبه الى حدّ كبير شخصيات “دوستويفسكي”، التي يكون فيها الموت والاكتئاب بطلين أساسين  .

في “1411” يصبح جسد الممثل عنصرا رئيسيا في الأحداث، حيث يتحول الجسد الى لغة وصوت مسموع، وهو ما نجح  فيه كل من هيثم ومروان فقد نقلا لنا من خلال جسديهما صراعهما الداخلي ومواجهتهما لحالة الاكتئاب التي اصابت الجسد، مبرزين وجود أحاسيس لا يمكن ترجمتها باللغة فكانت الصورة أقرب للتعبير عنها .

صوت القطار .. قطرات ماء .. موج البحر .. عصف الرياح .. نعيق الغراب .. صوت الصعقات الكهربائية، موسيقى هادئة تنقلب في لحظات أخرى الى صاخبة ..  كلها مؤثرات صوتية تم اعتمادها في مشاهد “1411” عبرت عن طبيعة الحوار الحاد بين الشخصيات.

في هذا العمل المسرحي، تتأرجح الشخصيات بين الرغبة في الحياة والعزوف عنها، بين الاحساس واللاإحساس بين حب الذات والسعي الى إيذائها والشعور بالسلبية وانعدام القيمة، حالة من الاكتئاب الحاد تشبه الوحش المخيف الذي لا يمكن قتله أو الهروب منه، رحلة في العقل الباطني تبيّن نهاية العمل أنها حصة علاج نفسي لشخصية مضطرة ومكتئبة رقم ملفها الطبي “1411”، وهو ما نستشفه من خلال صوت الطبيب الغائب الحاضر عن هذه الجلسة العلاجية والذي يشخص حالة مريضه الذي يعاني من الاكتئاب الحاد )ديبرسيون( .

“انت عندك صحاب” بهذه الجملة التي انطلقت منها مسرحية “1411”، تنتهي والعقل يتقدم على القلب مجبرا اياه على اتباعه من أجل انقاذ الجسد المتهالك.

Related posts

العرض المسرحي “ما يراوش” لمنير العرقي يفتتح مهرجان المسرح والمجتمع بسليانة

يوم 24 مارس: نصير شمة يحيي سهرة بمدينة الثقافة

لطيفة العرفاوي: هذا أفضل قرار اتخذته في حياتي

ريم حمزة