القاهرة: ريم حمزة
انطلقت مساء الأربعاء 13 نوفمبر 2024، فعاليات الدورة الخامسة والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وذلك في حفل أقيم بدار الأوبرا المصرية بحضور لافت لنخبة من نجوم الفن وصناع السينما من مصر ومختلف دول العالم. لم تكن انطلاقة هذه الدورة عادية، بل جاءت مشحونة بالعاطفة والانتماء، حيث حملت رسائل دعم صريحة للقضية الفلسطينية ولبنان، وسط مشهد سينمائي أراد أن يؤكد أن الفن ليس معزولًا عن قضايا الإنسان وهمومه.
افتتاح على أنغام فلسطين.. وكوفية على المسرح
افتتح الحفل بعرض فني فلسطيني مؤثر اكتسى خلاله المسرح بألوان الكوفية الفلسطينية، بينما تعالت أصوات الأغنية الوطنية “فلسطيني”، لتتحوّل لحظة البداية إلى تحية رمزية للشعب الفلسطيني، الذي يخوض واحدة من أعقد المراحل في تاريخه. عقب العرض، ظهر رئيس المهرجان النجم حسين فهمي، وتوسّط أعضاء الفرقة الفلسطينية موجّهًا لهم الشكر، ثم ألقى كلمة أكد فيها أن هذه الدورة التي يتشرّف برئاستها مؤجلة من العام الماضي تضامنًا مع غزة، مشيرًا إلى أن القضية الفلسطينية لم تكن يومًا بعيدة عن وجدان مصر، بل ظلّت تمثّل العدل والكرامة. ولم ينسَ فهمي أيضًا أن يعبّر عن تضامنه مع الشعب اللبناني الذي يعاني منذ سنوات أزمات متراكمة، مؤكّدًا أن الفن في جوهره هو وقوف دائم مع القضايا العادلة.
وزير الثقافة: من القاهرة.. تنطلق الحكاية
من جانبه، ألقى وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو كلمة شدّد فيها على رمزية هذا المهرجان، معتبرًا إياه منبرًا للثقافة والانفتاح وحوار الحضارات، ومؤكدًا أن القاهرة تظل عاصمة الفن العربي، ومصر ستبقى حاضنة للمواهب وصوتًا للإنسان من خلال السينما التي لا تزال أحد أصدق أشكال التعبير عن الذات والمجتمع. كما حيّا الوزير أسماء من تركوا بصمة في تاريخ المهرجان، بداية من مؤسسه كمال الملاخ، وصولًا إلى حسين فهمي، الذي وصفه بأنه رمز للفن الرفيع، معتبرًا أن وجوده يمنح المهرجان زخمًا متجددًا، وأن هذه الدورة ستكون فصلاً جديدًا في مسيرة هذا الحدث الأعرق في المنطقة.
لحظة وفاء: من غابوا… حاضرون في الذاكرة
ولأن الوفاء من طبع السينما، خصّص المهرجان لحظة مؤثرة لرثاء عدد من الوجوه الفنية التي رحلت خلال عام 2024، وذكر حسين فهمي في كلمته أسماء من فقدهم الوسط الفني، من بينهم أشرف عبد الغفور، ناهد فريد شوقي، صلاح السعدني، عصام الشماع، عاطف بشاي، حسن يوسف،
ومصطفى فهمي، مؤكدًا أن الفن حاضر في المحن، والسينما قادرة على حفظ حكايات من حلموا وانتصروا، وتركوا فينا أثرًا لا يُمحى.
ترميم الكلاسيكيات: أرشيف على قيد الحياة
ووفاءً لذاكرة السينما المصرية، قدّم المهرجان مجموعة من الأفلام الكلاسيكية التي جرى ترميمها رقمياً بدقة عالية، ومنها: “قصر الشوق”، “بين القصرين”، “السمان والخريف”، “الحرام”، و”شيء من الخوف”، في مبادرة تهدف إلى صون الذاكرة البصرية وتحسين جودة أرشيف السينما المصرية، بما يحفظ تاريخها للأجيال القادمة.
تكريمات تحمل بُعدًا إنسانيًا وفنيًا
شهد الحفل لحظات تكريم بارزة، حيث تم منح المخرج البوسني دانيس تانوفيتش، رئيس لجنة التحكيم، درع المهرجان تقديرًا لإسهاماته في السينما العالمية، كما كُرّم المخرج الكبير يسري نصر الله بجائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر، وأعرب في كلمته عن امتنانه لهذا التكريم، مؤكدًا أن السينما المصرية تمرّ بفترة مزدهرة من حيث الإيرادات والمشاركة الدولية، وموجّهًا تحية خاصة لزملائه السينمائيين الفلسطينيين. بدوره، تسلّم النجم أحمد عز جائزة فاتن حمامة للتميّز، وعبّر عن امتنانه لكل من دعمه في مشواره، مهدياً الجائزة للفنان الكبير عادل إمام، ومعتبرًا أن هذا التكريم هو حافز لما هو قادم.
فيلم الافتتاح: “أحلام عابرة” من غزة إلى الشاشة العالمية
في ختام الحفل، دعا حسين فهمي الحضور لمتابعة العرض العالمي الأول للفيلم الفلسطيني “أحلام عابرة” للمخرج رشيد مشهراوي، ليُفتتح المهرجان بفيلم يعكس معاناة الإنسان الفلسطيني وآماله في الحياة والحرية، في اختيار يحمل رسالة واضحة حول انحياز الفن لجوهر القضايا الإنسانية.
دورة استثنائية بأرقام قياسية ومشاركة واسعة
تُعد الدورة الخامسة والأربعون من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي واحدة من أضخم دوراته، حيث تشهد مشاركة 190 فيلمًا من 72 دولة، من بينها 37 عرضًا عالميًا أول، و8 عروض دولية أولى، و119 عرضًا أول في الشرق الأوسط وإفريقيا، إلى جانب 16 عرضًا على السجادة الحمراء. و يواصل المهرجان ترسيخ مكانته كأعرق مهرجان سينمائي في العالم العربي والقارة الإفريقية، والمهرجان العربي الوحيد المصنّف ضمن الفئة “A” من قبل الاتحاد الدولي للمنتجين في باريس (FIAPF).