رحلت اليوم الثلاثاء 3 جوان 2025، الفنانة المصرية القديرة سميحة أيوب، الملقبة بـ”سيدة المسرح العربي”، عن عمر ناهز 93 عامًا، بعد مسيرة فنية استثنائية امتدت لأكثر من سبعة عقود. كانت خلالها رمزًا للتفرّد المسرحي، وصوتًا فنيًا لا يُشبه سواه. برحيلها، يفقد المسرح العربي إحدى أعمدته الراسخة، وتغيب قامة من القامات التي صنعت ذاكرته وكرّست حضورها فيه بإخلاص ووعي وجمال.
لم تكن سميحة أيوب مجرد ممثلة قديرة، بل كانت صوتًا ذهبيًا ينبض بالحياة، ووجهًا يعبر ببراعة عن الحزن والكرامة معًا. كانت أيقونة فنية، ومعلمة ملهمة، وحارسة وفية للمسرح الجاد، من القلائل الذين عاشوا الفن بصدق وإخلاص، وليس من أجله فقط.
ولدت في حي شبرا العريق بالقاهرة عام 1932، وبدأت مسيرتها مبكرًا جدًا، في عام 1947 بفيلم “المتشردة”، قبل أن تلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية عام 1949، في زمن مؤسسه زكي طليمات، الذي احتضن بدايتها وصقل موهبتها. تخرّجت عام 1953، لكن اسمها كان قد لمع قبل ذلك بفضل مشاركاتها السينمائية، ومنها “شاطئ الغرام” (1950) و”ورد الغرام” (1951).
لم تكن النجومية غايتها، بل الفن، بتجلياته الأصيلة. لذلك، وجدت في المسرح بيتها الأوسع، فاعتلته بعنفوان لا يخبو. أكثر من 170 عرضًا مسرحيًا شكّلت جسدها الفني، من بينها “سكة السلامة”، “السبنسة”، “رابعة العدوية”، “دماء على ستار الكعبة”، “سقوط فرعون”، و”الفتى مهران”.
أدارت المسرح الحديث بين عامي 1972 و1975، ثم تولت إدارة المسرح القومي مرتين بين 1975 و1989، ولم تكن مديرة بقدر ما كانت حارسة للفن الجاد، وصوتًا في وجه التفاهة، وقائدةً تؤمن بأن المسرح ليس ترفًا بل ضرورة وطنية.
استمرت عطاياها للدراما والسينما حتى سنواتها الأخيرة، لكنها كانت دائمًا تلك التي تمنح الفن بُعدًا أخلاقيًا وروحيًا، لا مجرد أداء أو حضور.
رحلت اليوم، تاركة فراغًا بحجم قامتها، وذكرى لن تُمحى.
رحلت من علّمتنا أن الفن التزام، وأن المسرح حياة.
وإن كانت الجغرافيا فقدت جسدها، فإن الذاكرة ستحتفظ بها، صافية، صلبة، ونبيلة كما كانت دائمًا.
وداعًا سميحة أيوب. سيظل صوتك في المسرح، وظلك في الوجدان.
ريم حمزة