شهدت سهرة افتتاح الدورة السادسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية، الممتدة من 22 إلى 29 نوفمبر 2025، عرض المسرحية الشهيرة “الملك لير” التي كانت مناسبة لعودة الفنان الكبير يحيى الفخراني إلى الخشبة بعد غياب، في عمل تجاوزت مدته ثلاث ساعات واستقطب جمهوراً كبيراً من مختلف الأعمار.
وتوافد عدد غفير من عشاق الفن الرابع إلى مدينة الثقافة الشاذلي القليبي رغبة في حضور العرض وملاقاة الفخراني، الذي ارتبط اسمه بذاكرة التونسيين عبر العديد من الأدوار الدرامية. واصطف الجمهور في طوابير طويلة أمام قاعة الأوبرا التي امتلأت بالكامل، حيث قُدمت المسرحية أمام شبابيك مغلقة.
العرض من إخراج شادي سرور ومن إنتاج المسرح القومي المصري، استناداً إلى النص الأصلي لويليام شكسبير بترجمة فاطمة موسى. وشارك في بطولته نخبة من الممثلين، من بينهم يحيى الفخراني، طارق دسوقي، حسن يوسف، أحمد عثمان، ثامر الكاشف، أمل عبد الله، إيمان رجائي، بسمة دويدار، طارق شرف، محمد العزايزي، عادل خلف، ومحمد حسن.
و تروي المسرحية حكاية الملك “لير” الذي يقرر تقسيم مملكته بين بناته الثلاث وفقاً لمقدار حبهن له، وهو ما يُعبَّر عنه بالكلمات. فتنجح الابنتان الكبری والوسطى في استمالته عبر عبارات مزيّفة، فيما تُحرم الصغرى “كورديليا” من حقها بسبب صدقها وتجنّبها المبالغة في الثناء عليه، ما يثير غضبه ويدفعه إلى إقصائها.
لكن ما إن تتسلم الأختان الحكم، حتى تنقلبا على والدهما، فتذيقانه الإهانة وتسعيان إلى التخلص منه، في حين تتدخل “كورديليا” لإنقاذه بمساندة جنود زوجها، ملك فرنسا.
وتبدأ المسرحية بلوحة راقصة تحتفي برخاء المملكة ووئام الأسرة الحاكمة، قبل أن تتبدد هذه الأجواء بفعل الطمع و الزيف البشري، لتسود الخيانة والمؤامرات، و تتجسد صراعات الإنسان مع والده و أخيه من أجل النفوذ والمصلحة الشخصية. كما يُظهر العمل كيف يمكن أن يتحول الأب ذاته ضد أبنائه حفاظاً على سلطته، إلى أن يكتشف الملك أن ابنته الصادقة التي نبذها كانت الأوفى له.
وقد برز العرض من خلال سينوغرافيا محكمة وعناصر إخراجية بصرية وصوتية دعمت أداء الممثلين، الذين تألقوا في تقمص أدوارهم، وفي مقدمتهم يحيى الفخراني الذي أظهر حضوراً طاغياً رغم تقدمه في السن، مقدّماً أداءً عميقاً تخللته مقاطع ذات بعد فلسفي.
ولا يمنح العمل انتصاراً واضحاً لا للخير ولا للشر، بل يكشف الجوانب المظلمة في النفس البشرية، ويبرز كيف يقود الطمع إلى الانهيار، مقابل قيمة الصدق والوفاء التي قد تُقابل أحياناً بالجحود إذا اعتاد الناس على التملق.
وتدفع “كورديليا” حياتها ثمناً لإخلاصها لوالدها، إذ تُقتل شنقاً، فيما تهلك أختاها بعد صراع بينهما بسبب غيرة عاطفية، ويقضي الملك لير نهاية مأساوية متأثراً بفقد ابنته التي ظلمها. لكنه، وفق القراءة المسرحية، يلتقي بها في عالم آخر خالٍ من الحقد والمصالح.
ويُعد نص “الملك لير”، الذي كتبه شكسبير عام 1605، من أهم الأعمال الكلاسيكية التي عُرضت بمقاربات متعددة عبر التاريخ وفي لغات وثقافات مختلفة. وقد حمل العرض المصري بصمته الخاصة، خاصة بمشاركة ممثلين عرفهم الجمهور العربي في الدراما والسينما والمسرح.
وفي ختام الحفل، تم تكريم الفنان يحيى الفخراني من قبل إدارة أيام قرطاج المسرحية، حيث سلّمه مديرها الفني منير العرقي درع التكريم. وأعرب الفخراني عن اعتزازه بهذه اللفتة، مذكّراً بأن تونس منحته أول تتويج خارج مصر في مسيرته عام 1984 خلال أيام قرطاج السينمائية، عندما فاز فيلمه “خرج ولم يعد” بالتانيت الفضي.
