في ذكرى رحيلها الـ22.. ذكرى التي غابت وظلّ أثرها لا يُمحى

في مثل هذا اليوم، 28 نوفمبر، تمرّ الذكرى الثانية والعشرون لرحيل الفنانة التونسية ذكرى محمد الدالي؛ الصوت الاستثنائي الذي شكّل حضوراً نوعياً في المشهد الغنائي العربي، وترَك فراغاً لم تستطع الأصوات اللاحقة ملأه رغم كثرتها. ورغم أن رحيلها بقي مثقلاً بالغموض والصدمة، فإن إرثها الفني ظل أكثر رسوخاً من كل الملابسات التي أحاطت بنهايتها.

طفولة موسومة بالشغف.. وبدايات تشقّ المسار

ولدت ذكرى في 16 سبتمبر 1966 بوادي الليل من ولاية منوبة، وسط عائلة كبيرة كانت الأصغر بين أبنائها الثمانية. غير أن هذا الموقع لم يكن عائقاً أمام شغفها، بل لعلّه منحها إصراراً مبكراً على إثبات ذاتها. فبدعمٍ واضح من والدها، بدأت علاقتها بالموسيقى منذ مقاعد الدراسة، بينما ظلّ موقف الأم متحفظاً في البداية قبل أن يتحوّل، بعد وفاة الأب، إلى تأييد كامل لمسيرتها الفنية.

من برامج الهواة إلى منصّات الاحتراف

شكّلت سنة 1980 منعطفاً أول في مسارها حين لفتت الأنظار في برنامج “بين المعاهد” بأغنية ليلى مراد “اسأل عليّا”. تكرّر المشهد في برنامج “فن ومواهب”، لكن هذه المرة بوهج أكبر وهي تؤدي أغنية أم كلثوم “الرضا والنور”. كان ذلك كافياً لتفوز باللقب سنة 1983، في خطوة اعتبرها كثيرون انطلاقتها الحقيقية.

في العام نفسه سجّلت أولى أغانيها الخاصة “يا هوايا”، قبل أن تعتلي مسرح قرطاج وتنضم إلى فرقة الإذاعة والتلفزة التونسية. وقد شكل تعاونها مع الملحن عبد الرحمان العيادي حينها مرحلة تأسيسية لصوتها، حيث قدّم لها أعمالاً رسخت حضورها محلياً.

العبور إلى مصر.. حين يجد الصوت فضاءه الطبيعي

مع اتساع شهرتها في تونس، اتجهت ذكرى إلى مصر، الوجهة التي شكّلت بوابة عبور لكثير من الأصوات العربية. هناك التقت الموسيقار هاني مهنا الذي تبنى موهبتها وأنتج لها أول ألبوماتها “وحياتي عندك” عام 1995، ثم “اسهر مع سيرتك” سنة 1996، في تجربة أثبتت أن صوتها قادر على مقارعة أقوى الأصوات التي عرفتها الساحة المصرية.

لم تكتف الراحلة بالنجاح الأول، فأتبعت ذلك بألبوم “الأسامي” عام 1997، ثم “يانا” سنة 2000، قبل أن تقدّم آخر أعمالها “يوم ليك ويوم عليك” الذي صدر قبل ثلاثة أيام فقط من رحيلها سنة 2003؛ وكأن القدر شاء أن يترك صوتها في آخر حضوره محفوراً في ذاكرة الجمهور.

الحلم العربي.. حضور يجاوز الأغنية الفردية

لا يمكن استحضار مسيرة  ذكرى دون الإشارة إلى مشاركتها في أوبريت “الحلم العربي” عام 1998، العمل الذي جمع نخبة من أبرز الأصوات العربية. كان أداؤها فيه لافتاً، ليس فقط لقوة صوتها، بل لقدرتها على دمج الإحساس الشخصي في مشروع غنائي جماعي، وهو ما دلّ على نضجٍ فني متقدم.

إرث لا يشيخ..  وصوت لا يغيب

على الرغم من مرور أكثر من عقدين على رحيلها، تبقى ذكرى واحدة من أهم الأصوات العربية وأكثرها تأثيراً. فهي تنتمي إلى تلك الفئة النادرة من الفنانين الذين لم يكونوا مجرّد مطربين، بل أصحاب مشروع صوتي متكامل: قوةٌ في الأداء، عمق في الإحساس، وانضباط فني جعلها أيقونة يصعب أن تتكرر.

ربما رحلت ذكرى باكراً، لكن صوتها ما زال حاضراً، يذكّر بأن الفن الحقيقي لا يُقاس بطول العمر، بل بعمق الأثر. وفي ذكراها الثانية والعشرين، يبدو السؤال ملحّاً: هل أنجبت الساحة العربية صوتاً يستطيع أن يحمل الشعلة التي تركتها؟

الإجابة، في نظر الكثيرين، واضحة: ذكرى رحلت، لكن لا أحد يشبه ذكرى.

Related posts

على مسرح قرطاج: مرتضى الفتيتي يتألق و “دوزي” يمتع الجمهور

root

نور شيبة يقدّم أغنيته الجديدة “ميز أجور”

مهرجان القاهرة السينمائي يكشف قائمة الأفلام المشاركة بمسابقة آفاق السينما العربية في دورته الـ 44

Rim Hamza

Leave a review