وسط أجواء مفعمة بالحنين وعطر الطرب الأصيل، أحيت الفنانة المصرية مي فاروق سهرة فنية استثنائية على ركح مهرجان قرطاج الدولي، مساء السبت 16 أوت 2025، ضمن فعاليات الدورة الـ59 من المهرجان، احتفاءً بالذكرى الخمسين لرحيل “كوكب الشرق” أم كلثوم.
منذ الساعات الأولى من المساء، بدأت جماهير من مختلف الأعمار تتوافد على المسرح الروماني بقرطاج، بعد أن نفدت تذاكر الحفل قبل أيام، لتكون في الموعد مع أمسية أعادت الحياة لأمجاد الطرب العربي الأصيل، واستحضرت سهرات كوكب الشرق بكل ما تحمله من سحر وهيبة.
افتتحت السهرة بعرض شريط وثائقي يلخّص حفلة أم كلثوم التاريخية التي أحيتها في تونس خلال ماي 1968، ضمن جولة لدعم الجيش المصري بعد نكسة 1967، في أمسية حضرها الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة. تلك اللحظات المصوّرة شكّلت مدخلا عاطفيا مؤثرا للحفل، حيث بدت وكأنها تمدّ الجسر بين الماضي والحاضر.
ثم أطلت مي فاروق على المسرح، يرافقها المايسترو محمد الأسود وفرقة موسيقية تونسية، لتفتتح السهرة بأغنية “الحب كله”، ثم “هذه ليلتي”، وسط تفاعل ملحوظ من الجمهور الذي بدا وكأنه يسترجع لحظات حية من زمن الطرب الذهبي.
أداء بخصوصية فنية
على امتداد ساعتين ونصف، توالت الأغاني التي صدحت بها مي فاروق، فتنقلت بين “غداً ألقاك”، و”بعيد عنك”، و”سيرة الحب”، و”الأطلال”، و”فات الميعاد”، و”دارت الأيام”، وغيرها من الروائع، دون أن تسعى إلى تقليد أم كلثوم، بل اختارت أن تقدّم هذه الأعمال بصوتها الخاص وأسلوبها الأصيل، محافظة على الروح الكلثومية دون الوقوع في فخ المحاكاة.
أداؤها المتمكن وصوتها القوي أثارا إعجاب الجمهور، الذي لم يتوقف عن التفاعل والتصفيق، ما جعل الفنانة المصرية تتأثر حدّ البكاء، في لحظة إنسانية صادقة عكست عمق العلاقة بين الفنّان والجمهور.
لحظة اعتراف وامتنان
وفي كلمة مؤثرة وجّهتها للحضور، قالت مي فاروق: “أنا مهما حاولت أن أعبّر عن سعادتي بوقوفي على مسرح قرطاج، فلن أستطيع… أنا سعيدة جدًا، ولي الشرف أن أقف على هذا المسرح العريق”.
وأضافت:” أنا فخورة أيضًا بوجودي وسط أكثر جمهور سميّع في الوطن العربي، بل أكثر جمهور صوته أحلى من صوت المطرب على المسرح”، في إشارة واضحة لتقديرها الكبير للجمهور التونسي وتفاعله.
وعبّرت عن اعتزازها بإحياء هذه السهرة الخاصة، قائلة: ” لي الشرف بإحياء ليلة تاريخية ومهمة، تحتفي برمز من رموز الموسيقى العربية، كوكب الشرق أم كلثوم. فخورة باختياري لإحياء هذه الليلة، وأشكر الظروف التي جعلتني أغنّي لأم كلثوم وأنا صغيرة، لأقف اليوم على المسرح كمطربة”.
كانت هذه السهرة أكثر من مجرّد حفل غنائي بل بمثابة تكريم للذاكرة الجماعية، واستحضار لقامة فنية استثنائية مثل أم كلثوم، جسّدته مي فاروق بصوتها وحضورها وصدقها الفني.
في مهرجان قرطاج، حيث يلتقي التاريخ بالفن، استطاعت مي فاروق أن تكتب صفحة جديدة من الوفاء للطرب العربي الأصيل، وتُثبت مرة أخرى أن صوت أم كلثوم، وإن غاب جسدها، ما زال حاضرا في القلوب، يتردّد على المسارح الكبرى، ويعيش في ذاكرة الشعوب.
ريم حمزة