“المدينة البعيدة”: عندما ترتدي “الهيبة” العباءة التركية… قراءة تحليلية في الترجمة الثقافية للدراما

في خطوة جريئة تعكس مدى تأثير الدراما العربية في الأسواق الإقليمية، اختارت شركة الإنتاج التركية Ay Yapım تحويل المسلسل العربي الشهير “الهيبة” إلى نسخة تركية حملت عنوان “المدينة البعيدة” (Uzak Şehir). ومع اقتراب المسلسل من حلقاته الأخيرة، يزداد اهتمام الجمهور التركي والعربي على حد سواء، وسط تساؤلات حول مدى نجاح النسخة التركية في نقل روح العمل الأصلي، وإعادة تشكيله بما ينسجم مع البيئة الثقافية التركية، من دون أن تُفقده نكهته الدرامية وهويته السردية…

من “جبل” إلى “جيهان”: التحول في البنية الرمزية

المسلسل الأصلي “الهيبة”، الذي مزج بين الجريمة والرومانسية والصراعات العشائرية في بيئة حدودية وعشائرية، استند بشكل كبير إلى شخصية “جبل شيخ الجبل” كرمز للرجولة والقوة المقرونة بحس العدالة والانتماء. في المقابل، تعيد النسخة التركية صياغة هذه الشخصية في قالب أكثر انسجامًا مع النمط التركي للمسلسلات الدرامية، حيث تحوّل “جبل” إلى “جيهان”، وهو رجل ذو ماضٍ معقد يعيش في بلدة “ماردين” التي تحتفظ بتقاليدها الصارمة وحدودها غير المرئية.

هنا، لم يكن النقل حرفيًا، بل تم تفكيك الرمز وبناؤه من جديد، بما يتماشى مع القيم والسرديات المحلية التركية، دون أن يفقد الطابع القتالي والغموض الذي رافق شخصية “جبل” الأصلية.

 

المرأة في النسختين: من “عليا” إلى “عليا”

من المثير للاهتمام أن النسخة التركية حافظت على اسم البطلة “عليا”، لكنها قدّمتها ضمن إطار مختلف. في “الهيبة”، كانت عليا شخصية خارجية تتصادم مع عالم ذكوري عشائري وتتحول تدريجيًا إلى جزء منه. أما في “المدينة البعيدة”، فتأتي عليا من كندا حاملة جثمان زوجها إلى بلدته الأصلية في ماردين، وتجد نفسها أمام زواج إجباري من شقيقه، لتدخل في دوامة من الصراعات النفسية والعائلية.

الاختلاف هنا ليس فقط في الخلفية، بل في الرهان الدرامي: فبينما ركز “الهيبة” على اندماج البطلة في واقع قاسٍ، يحوّلها “المدينة البعيدة” إلى بطلة مقاومة لقدر مفروض، مما يعكس تقاليد درامية تركية تميل أكثر إلى تمجيد البُعد الإنساني والصراع الداخلي للمرأة.

 

الجغرافيا الحيّة: من ضيعة الهيبة إلى ماردين التاريخية

لعب المكان دورًا مركزيًا في كلا النسختين، لكنه أدى وظائف مختلفة. في “الهيبة”، كانت الجغرافيا الحدودية وعرة ومقفلة، تعكس صراع الهويات وازدواجية القانون واللا قانون. أما في “المدينة البعيدة”، فاختيار مدينة “ماردين” – ذات الجذور العثمانية والمعمار الحجري الخلاب – أضفى بُعدًا جماليًا وتاريخيًا يحاكي الوجدان التركي، ويعيد صوغ الصراع الاجتماعي في سياق محافظ وتقاليد متوارثة دون عنف صارخ.

 

هل نجحت الترجمة الثقافية؟

من الناحية الفنية، نجحت النسخة التركية في الحفاظ على توتر السرد ودراميته، لكنها عمدت إلى إزالة الكثير من الحمولات السياسية والاجتماعية المرتبطة بالعالم العربي، مثل الصراعات العشائرية المسلحة، والإشارات إلى الفوضى الإقليمية. وهذا أمر متوقع في عملية “تعريب معكوس”، أو بالأحرى “أتْرَكة” للنص العربي، حيث يُعاد تشكيل الجوهر السردي ليلائم جمهورًا مختلفًا تمامًا.

 

لكن السؤال الأعمق هو: هل نقلت النسخة التركية روح “الهيبة”، أم أنها استخدمت القصة كقالب جاهز لبناء دراما مختلفة كليًا؟ الإجابة تحمل قدرًا من الاثنين: فقد احتفظت “المدينة البعيدة” بالبنية الأساسية، لكنها استخدمتها كمنصة لإنتاج سردية تركية صِرفة.

 

من الاقتباس إلى التبادل

 

تمثل تجربة “المدينة البعيدة” محطة جديدة في مسار التعاون غير المباشر بين الدراما العربية والتركية. إنها نقطة التقاء لا تُعيد إنتاج الآخر بقدر ما تعيد تأويله. وبهذا المعنى، لا ينبغي النظر إلى “المدينة البعيدة” كمجرد نسخة من “الهيبة”، بل كتحوّل درامي يعكس تشابك الثقافات وصعود اللغة المشتركة للدراما العابرة للحدود.

 

ريم حمزة

 

 

 

Related posts

استعدادا لحفلها في مهرجان قرطاج الدولي: مجموعة أدونيس اللبنانية تطلق أغنية “بس بِحال”  (فيديو)

root

يوم 28 مارس: عرض “هيـــــــــــــــام ” عشق القلوب للمنشد أحمد جلمـــام بمدينة الثقافة

وزارة الشؤون الثقافية تنعى الشاعر أحمد الباي البنّاني

ريم حمزة