يفتتح المسرح الوطني التونسي موسمه الثقافي 2025–2026 بعرضٍ مسرحي جديد يحمل عنوان “الهاربات”، تأليفًا وإخراجًا للفنانة وفاء الطبوبي، في عرضين يُقدّمان يومي الجمعة 3 أكتوبر والسبت 4 أكتوبر 2025، على ركح قاعة الفن الرابع وسط العاصمة تونس، في تمام الساعة السابعة مساءً.
يمثل هذا العرض باكورة برمجة الموسم الجديد للمؤسسة، ويأتي كثمرة إنتاج مشترك بين المسرح الوطني وشركة الأسطورة للإنتاج، وبدعم من وزارة الشؤون الثقافية، في إطار سياسة دعم وتثمين التعاون بين القطاعين العام والخاص في المجال المسرحي.
مسرحية “الهاربات”: مسرح وجودي عن نساء على الهامش
بعيدًا عن العناوين المباشرة والخطابات المكرّرة، تأتي مسرحية “الهاربات” كمحاولة فنية عميقة لفهم الإنسان، والانهيارات الصامتة التي تملأ تفاصيل حياته اليومية.
تدور أحداث العرض داخل محطة انتظار… خمس نساء غريبات، وسادسهم رجل، تضعهم الصدفة – أو القدر – في لحظة مشتركة، حيث يجمعهم انتظار مجهول النهاية. هي لم تأتِ… ولن تأتي. ومع ذلك، لا تزال الأرواح معلّقة بين أمل خافت ورغبة في الانعتاق.
لكن المسرحية لا تكتفي بهذا الانتظار العبثي. فشخصياتها، رغم اختلاف طرقها، تقرر الانسحاب من قيد الانتظار الضيّق، وتنطلق في بحثٍ تخييلي عن معنى آخر، أو عن معنى على الإطلاق. تخوض الشخصيات تجربة داخلية فيها الكثير من الأسئلة: عن الحضور والغياب، عن الخوف والألم، عن الوجود ذاته.
فهل يكون هذا الهروب فعلًا جبانًا؟ أم مقاومة صامتة في وجه واقع يرفض الإصغاء؟
تُقدّم “الطبوبي”، من خلال “الهاربات”، دراما نفسية – فكرية، يتشابك فيها البُعد الوجودي مع البُعد الاجتماعي، في لغة مسرحية شاعرية، تقف على الحدّ الفاصل بين الواقع والتجريد، بين الصمت والانفجار.
كوكبة من الممثلين على الخشبة
يقود هذا العمل فريق تمثيلي بارز يجمع بين الخبرة والتنوع، ويضم كلًا من فاطمة بن سعيدان، منيرة الزكراوي، لبنى نعمان، أسامة الحنايني، أميمة البحري
و صبرين عمر
يتعامل الممثلون مع نصّ كثيف وغنيّ بالتأويلات، ما يجعل الأداء المسرحي في “الهاربات” تحدّيًا حقيقيًا في ضبط الإيقاع الداخلي للشخصيات، وتحقيق توازن بين الانفعال والانكسار، بين اللحظة الفردية والتجربة الجمعية.
المسرح الوطني يُراهن على الجودة والتجديد
من خلال اختيار “الهاربات” لافتتاح موسمه الثقافي، يُعلن المسرح الوطني التونسي بوضوح عن رغبته في تجديد الفعل المسرحي التونسي، من حيث النصوص، والطرح الفني، والاشتغال على قضايا معاصرة دون السقوط في المباشرة أو الشعارات الجوفاء.
وقد عبّرت المؤسسة عن سعادتها باستقبال جمهورها الوفي، مؤكدة في بيانها أن هذه الدورة الجديدة ستكون غنية بالعروض النوعية، التي تسعى إلى ملامسة القضايا الحارقة، والانفتاح على تجارب مسرحية من تونس والعالم.
الجمهور مدعوّ.. لأن لا أحد يهرب من المسرح
“الهاربات” ليست مسرحية عن الهروب فقط، بل عن ضرورة الوقوف في مواجهة الانتظار العقيم، عن تجاوز المجهول لا للهروب منه، بل للبحث عن صوت وسط الضجيج.
ولأن المسرح لا ينتظر أحدًا، بل هو من يصنع لحظة اللقاء، تدعو مؤسسة المسرح الوطني جمهورها إلى حضور هذه التجربة المسرحية الخاصة، التي قد يجد فيها كل واحد منا جزءًا من نفسه… أو على الأقل، سؤالًا لا يزال معلقًا.