من أبرز ملامح الدورة 46 من مهرجان القاهرة السينمائي، الحضور التونسي اللافت، الذي يؤكد مجددا حيوية السينما التونسية وتنوّع رؤاها الجمالية، حيث تشارك تونس بستة أفلام توزعت على مختلف أقسام المسابقة الرسمية، إضافة إلى موقع مميز ضمن لجان التحكيم، وحضور لافت في حفل الاختتام.
في المسابقة الدولية، يشارك المخرج مهدي هميلي بفيلمه الجديد “اغتراب”. وهو عمل يغوص في ثيمات الهوية والمنفى والذاكرة، ويستلهم من تجربة المخرج الشخصية كمقيم في باريس، ليقدّم معالجة حسّاسة ومتوازنة بين التوثيق والتحليل النفسي والاجتماعي، مواصلا بذلك مساره الإبداعي في مقاربة القضايا الوجودية من زاوية سينمائية خالصة.
أما في مسابقة آفاق السينما العربية، فتسجّل تونس حضورا مزدوجا من خلال فيلم “كأنك لم تكن” للمخرجة سارة العبيدي، وفيلم “الجولة 13” للمخرج و الممثل محمد علي النهدي. كلا العملين يقدّمان قراءات سينمائية مختلفة للواقع التونسي، حيث يتجه الأول نحو سرد introspective يغوص في تفاصيل الهوية الفردية، بينما يجنح الثاني نحو طرح اجتماعي يعكس تقلبات الحياة اليومية بزخمها وتناقضاتها.
وفي مسابقة الأفلام القصيرة، تواصل تونس إبراز تنوّع طيفها السينمائي من خلال فيلمين يحملان توقيع جيل شاب يعيد ابتكار اللغة البصرية: “العصافير لا تهاجر” للمخرج رامي الجربوعي، الذي يقدّم عملا حساسا يتناول مواضيع الانتماء والفقد بطريقة شاعرية، و “في البداية تحمر الوجنتان ثم نعتاد” للمخرجة مريم الفرجاني، وهي تجربة بصرية جريئة تحاكي الذاكرة العاطفية للمشاهد، وتكسر القوالب السردية التقليدية بأسلوب تعبيري متفرد.
أما في لجنة التحكيم الدولية، تشارك المخرجة ليلى بوزيد، صاحبة “على حلة عيني” و”مجنون فرح”، ضمن لجنة تحكيم المسابقة الدولية، إلى جانب أسماء رفيعة مثل المخرج التركي نوري بيلجي جيلان (رئيس اللجنة)، والمخرجة المصرية نادين خان، والممثلة بسمة، ومشاركين من الصين وإيطاليا ورومانيا.
وتختتم تونس مشاركتها بصوت مميز، حيث يُعرض فيلم “صوت هند رجب” للمخرجة كوثر بن هنية، في تحية إنسانية مؤثرة لطفلة فلسطينية مغدورة، تتردد توسلاتها على الشاشة، قبل أن تعانق بحر غزة في لحظة شعرية توثيقية تسكن الذاكرة ولا تُنسى.