من التجربة الشخصية إلى التأثير المجتمعي: وسام صمود نموذجًا

في مشهد يختصر سنوات من العمل الصامت، صعد الشاب وسام صمود إلى منصة التتويج الوطني ليتسلّم جائزة “TOYP تونس 2025” عن فئة القيادة الإنسانية والتطوعية. وراء هذا التتويج لا تقف قصة نجاح فردية فحسب، بل تتجلّى مسيرة معقّدة من التحديات الصحية والاجتماعية تحوّلت إلى التزام أخلاقي تجاه مجتمع لا يُرى غالبًا: مجتمع المتعايشين مع الأمراض النادرة.

 

ينتمي وسام إلى جيل من الشباب التونسي الذي لا يُراهن على السلطة أو المنابر الخطابية لتغيير الواقع، بل على الاشتغال اليومي، والتأثير الصامت، والمراكمة البطيئة للثقة المجتمعية. يتحدّث بلهجة هادئة، لكن ما يقوله لا يخلو من ثقل نضالي واضح: “هذا التتويج يلخّص سنوات من الإيمان بأن العمل من أجل المجتمع يمكن أن يغيّر الحياة”.

 

من الشخصي إلى العام: سياسة الهوامش

وسام، الذي يتعايش مع الهيموفيليا، خاض معركته الأولى مع الصمت، ثم مع التجاهل، وأخيرًا مع الوصم. لكن ما يميز تجربته هو أنه لم يحوّل معاناته إلى خطاب شكوى، بل إلى رؤية للعمل الجماعي، والمناصرة، وبناء التحالفات، لاسيما في قضايا الرعاية الصحية والكرامة الإنسانية للأشخاص الذين لا يحظون بكثير من الاهتمام المؤسسي أو الإعلامي.

 

لقد استطاع هذا الشاب أن ينتقل من تمثيل الذات إلى تمثيل فئة، ومن الدفاع الفردي إلى الحشد الجماعي، مؤسسًا بذلك لنهج “القيادة من الهامش”، وهو مفهوم بات يُستخدم أكثر في تحليل الحركات الاجتماعية التي تنطلق من التجارب المعاشة بدل النظريات الكبرى.

 

بين الاعتراف المحلي والرهان العالمي

يمثل تتويجه الوطني محطة مهمة، لكنها ليست نهاية الطريق. فوسام سيمثّل تونس دوليًا ضمن المرحلة العالمية من TOYP، خلال المؤتمر العالمي للغرفة الفتية الاقتصادية، الذي يُعقد هذا العام في تونس. وقد يكون هذا التفصيل غير عابر، إذ يُعطي التتويج بُعدًا رمزيًا مزدوجًا: تقديرًا داخليًا ورسالة تصدير لصورة شاب تونسي يناضل خارج أطر النخب التقليدية.

 

لكن الأهم من ذلك، أن وسام لا يبدو مأخوذًا بالألقاب، بل منشغلًا بما بعد الجائزة. في تصريحاته، يعود دومًا إلى مجتمعه الأساسي، ويحرص على التأكيد أن هذا النجاح “جماعي لا فردي”، وأن ما ينتظره لاحقًا أهم مما مضى.

 

أي معنى للقيادة في زمن التحولات؟

ما تُجسّده تجربة وسام هو طرح جديد لفكرة القيادة. لم يعد القائد هو من يتصدّر المنابر أو يوجّه الخطابات الكبرى، بل ذاك الذي يرى في العمل الاجتماعي مساحة للعدالة، وفي الهامش فضاءً للإصلاح الحقيقي.

 

من هنا، يفرض تتويجه نفسه كدعوة لإعادة النظر في مفاهيم التميّز والنجاح في السياق التونسي والعربي: هل نقيس النجاح فقط بعدد المتابعين والمبادرات الممولة؟ أم بقدرة الشخص على إحداث أثر في حياة الآخرين، حتى من موقع الظل؟

 

وسام صمود ليس فقط اسمًا على قائمة المتوجين، بل علامة على تحوّل ثقافي واجتماعي أكبر: تحوّل من الارتجال إلى البناء، من الصوت العالي إلى الأثر العميق، من الفردانية إلى المسؤولية المجتمعية.

 

في بلد يبحث عن رموزه الجديدة، يقدّم وسام نموذجًا نادرًا: شابًا لا يدّعي البطولة، بل يمارسها بصمت.

 

 

 

Related posts

انقطاع الكهرباء لساعات في عدد من المناطق غدا السبت

root

قفصة: سقوط مروحية ووفاة أحد الطيارين بالقاعدة العسكرية

Ra Mzi

سنة سجنا في حق راشد الخياري

Na Da