بأمسية مبهرة، افتُتحت الدورة الثامنة والثلاثون من مهرجان الجم الدولي للموسيقى السيمفونية، حيث استضاف المدرج الروماني العريق أوركسترا “دا كاميرا فيورنتينا” في عرض استثنائي، بحضور سعادة السفير الإيطالي. ويجسد هذا الحدث الفني المرموق التقاء الثقافة، والإبداع، والحوار الحضاري، وسط أجواء تاريخية يخلدها المسرح الروماني المصنَّف ضمن التراث العالمي لليونسكو.
اصطحب حفل الافتتاح الجمهور في رحلة موسيقية ساحرة بين روائع السينما الإيطالية والأوبرا، بقيادة المايسترو الملهم جوزيبي لانزيتا. استُهلت الأمسية بمقطوعة La Vita è Bella للملحن نيكولا بيوفاني، لتتبعها أشهر مؤلفات إنيو موريكوني مثل: You and Me، Il Triello، La Califfa، Cinema Paradiso، وThe Legend of 1900، والتي أبدع في أدائها عازف البيانو فرناندو دياز، إضافة إلى Once Upon a Time in the West.
كما شمل البرنامج تكريمًا مميزًا لكل من نينو روتا عبر مقطوعات The Godfather وBallabili من فيلم The Leopard، بالإضافة إلى تحية سينمائية لأسطورة الإخراج فيديريكو فيليني، ما جعل العرض تجربة بصرية وسمعية استثنائية.
أما الفقرة الأوبرالية، فكانت ساحرة بكل المقاييس، إذ أبهرت السوبرانو إيفلين سافيدرا الجمهور بأداء Recondita Armonia وVissi d’arte من أوبرا Tosca لبوتشيني، إلى جانب دويتو رائع مع التينور أنطونيو ساليس في Che gelida manina وMi chiamano Mimi من أوبرا La Bohème. وبلغت الأمسية ذروتها بأداء مهيب لـ Nessun dorma من أوبرا Turandot، اختُتم بعدها الحفل بجو احتفالي مرِح مع مقطوعات Funiculì Funiculà، O Sole Mio، وMy Way ( بول أنكا)، بمصاحبة عازف الترومبيت مارسيلو نيزي.
نجح المايسترو جوزيبي لانزيتا في إضفاء روح تفاعلية على الحفل، من خلال تواصله المباشر مع الجمهور، حيث قدّم شرحًا للأعمال الموسيقية وسرد قصصًا شيّقة عن الملحنين، مما أضفى بُعدًا إنسانيًا ومعرفيًا على التجربة الفنية، وجعلها أقرب إلى القلب والعقل في آنٍ معًا.
و تأسست أوركسترا “دا كاميرا فيورنتينا” عام 1981 على يد المايسترو جوزيبي لانزيتا، وسرعان ما رسخت مكانتها كأحد أبرز الفرق الموسيقية الإيطالية على الساحة الدولية. تضم الأوركسترا نحو أربعين موسيقيًا موهوبًا، وقدمت عروضًا في أعرق المسارح العالمية بالتعاون مع أسماء مرموقة في عالم الموسيقى الكلاسيكية، إلى جانب نيلها لجوائز مرموقة. وتُسهم الأوركسترا، بدعم من عدة مؤسسات، في جعل الموسيقى الكلاسيكية متاحة في المواقع التاريخية أمام جمهور واسع ومتنوّع.
يعكس حضور السفير الإيطالي حفل الافتتاح عمق العلاقات الثقافية بين تونس وإيطاليا، ويؤكد التزام البلدين بأهمية الموسيقى كأداة للحوار والتقارب بين الشعوب. ويستمر مهرجان الجم الدولي في ترسيخ مكانته كأحد أبرز الملتقيات الفنية، جامعًا بين الفن والتراث في تجربة لا تتكرر.
يدعو مهرجان الجم الدولي للموسيقى السيمفونية جميع عشّاق الفن الكلاسيكي ومحبي التراث إلى المشاركة في هذا الاحتفال الفريد، الذي يجمع بين جمال الموسيقى وعراقة المكان، في لحظات تنبض بالإبداع والإنسانية والصداقة بين الشعوب.
