“أم كلثوم.. دايبين في صوت الست”: المسرحية التي تعانق الروح قبل الأذن

القاهرة: ريم حمزة

لطالما كان صوت أم كلثوم حاضرًا في ذاكرتي، لكنه في تلك الليلة بدا أقرب إليّ من أي وقت مضى. شعرت بحماس لم يكن مرتبطا بالمسرح فقط، وحنين لصوت تربيت عليه، وفضول حقيقي لاكتشاف قصة حياتها منذ طفولتها البسيطة في “طماي الزهايرة” حتى تحوّلها إلى أسطورة. كنت في القاهرة يوم 20 نوفمبر، أحضر عرض “أم كلثوم.. دايبين في صوت الست” على خشبة المسرح، وجلستُ بين الجمهور وأنا أترقب. ومع أول نغمة على المسرح، أدركت أنني أمام تجربة مختلفة، ليست محاولة لإعادة إنتاج الماضي، بل رحلة حقيقية داخل حياة الصوت، داخل شخصية شكلت التاريخ كله.

منذ اللحظات الأولى، يتضح أن “أم كلثوم.. دايبين في صوت الست” لا يسعى إلى تقديم سيرة جاهزة بل يذهب أبعد من ذلك.. إلى قراءة الأسطورة من الداخل، إلى محاولة فهم كيف يمكن لصوت واحد أن يشكل تاريخًا ويؤثر في أجيال متعددة. المشاهد تتنقل بين الطفلة التي بدأت الغناء في قرية صغيرة، وبين الفنانة التي أصبحت أيقونة عالمية، بطريقة تجعل المشاهد يشاركها لحظاتها الحقيقية، لحظات الشك والتحدي والإصرار على النجاح.

 

النص الذي كتبه وأنتجه مدحت العدل يحمل حسًا شاعرِيا وحقيقيا في الوقت نفسه، فهو لا يقدم الأحداث كتواريخ، بل كعواطف وتجارب وقرارات صنعت شخصية فريدة. الكلمات تتدفق مع الإيقاع الموسيقي، وتنسجم مع حركة المشاهد، فتخلق شعورا بأننا لسنا مجرد متفرجين، بل شركاء في الرحلة.

 

أما الإخراج الذي قدّمه أحمد فؤاد، فهو ما يمنح العرض شكله النهائي.. المشاهد تتنقل بانسيابية بين مراحل الحياة، والإضاءة تركز على اللحظات المهمة، وتوسع المشهد حين تتطلب اللحظة التقدير التاريخي، أو تضيق حين تتطلب الحميمية. الديكور لا يعمل كمجرد خلفية، بل كعنصر سردي يحرك المشاعر، ويجعلنا نعيش الحكاية مع الشخصية وليس معها فقط.

 

الموسيقى، روح العرض بلا منازع، جاءت في معالجة لافتة من خالد الكمار وإيهاب عبد الواحد. الأغاني الخمس عشرة التي يتضمنها العمل لم تُقدّم بطريقة تقليدية، بل أُعيدت صياغتها لتخدم اللحظة الدرامية، فتحافظ على “روح الست” وفي نفس الوقت تجعلنا نكتشفها من منظور مختلف. الموسيقى لا تعمل كاستعراض، بل كأداة سردية تبني الشخصية وتفتح أبواب الذكريات.

 

واحدة من أهم المميزات كانت اختيار وجوه جديدة لأداء شخصية أم كلثوم. هذا القرار كان مغامرة، لكنه أثمر أداءً صادقًا وطبيعيًا، بعيدًا عن أي محاكاة أو تقليد. الممثلة لم تحاول استنساخ الصوت، بل قدمت شخصية إنسانية حقيقية، بكل قوتها وضعفها، مما جعل الجمهور يتفاعل معها كفنانة حقيقية لا كرمز محفوظ.

 

العرض يوازن ببراعة بين التاريخ والخيال، بين الحدث والرمز، بين الصوت والإنسانية. المشاهد لا يغادر المسرح مثقلاً بالمعلومات، بل محمّلًا بانطباع عميق عن شخصية لم تعد مجرد أسطورة، بل إنسانة صنعت صوتها وجعلته خالدًا في الذاكرة الجماعية.

 

إن “أم كلثوم.. دايبين في صوت الست” ليس مجرد عرض مسرحي، بل تجربة حية لإعادة اكتشاف إرث فني خالد، تجربة تجعلنا نتساءل كيف يمكن للصوت أن يبقى حاضرًا رغم مرور الزمن، وكيف يمكن للمسرح أن يجعل الأسطورة قابلة للعيش هنا والآن.

Related posts

عودة نجاة الصغيرة و اعتزال عادل إمام.. مفاجآت في حفل Joy Awards بالرياض

“جائزة الملتقى” للقصة القصيرة العربية تعلن عن فتح باب الترشح لدورتها الثامنة

نجل الفنان المصري محمد رمضان في “دار رعاية” بأمر قضائي.. ووالده يلتزم الصمت